هي فترة أو مرحلة ما بعد الأزمات، الصراعات، "الثورات" ويقصد بها العدالة التي تنتقل بالمجتمعات من حالات الصراع إلى حالة التوافق والسلام وصولا إلى نظام ديمقراطي يمنع تجدد الصراعات.
* التحولات الديمقراطية
إحلال الديمقراطية كوسيلة ناجحة تساعد المجتمعات على الانتقال من الأنظمة الاستبدادية والصراعات التي تخلفها إلى اختيار نظام سياسي ديمقراطي .
* معايير العدالة الانتقالية
وللعادلة الانتقالية معايير أساسية من أربع نقاط بحسب تعريف الأمم المتحدة ..
1- لجان الحقيقة = لدراسة ما الذي تم ولماذا تم
2- لجان للمصارحة والمكاشفة = تؤسس للمصالحة
3- مبدءا المسائلة = المحاكمة
4- جبر الأضرار = إنصاف الضحايا "تعوضهم".
التعريف بمفهوم العدالة الانتقالية:
تعرف "العدالة الانتقالية" بأنها مجموعة الأساليب والآليات التي يستخدمها مجتمع ما لتحقيق العدالة في فترة انتقالية في تاريخه، تنشأ هذه الفترة غالبا بعد اندلاع ثورة أو انتهاء حرب، يترتب عليها انتهاء حقبة من الحكم السلطوي القمعي داخل البلاد، والمرور بمرحلة انتقالية نحو تحول ديمقراطي. وهنا وخلال هذه الفترة الانتقالية تواجه المجتمع إشكالية هامة جدا، وهي التعامل مع قضايا انتهاكات حقوق الإنسان سواء كانت حقوقا جسدية أو اقتصادية أو حتى سياسية.
تطور فكرة العدالة الانتقالية وبعض نماذج تطبيقها :
ــ رغم حداثة مفهوم وتطبيق العدالة الانتقالية، إلا أن البعض يرجع بدايات تطبيقاتها الأولي إلي ما بعد الحرب العالمية الثانية في "محاكمات نورمبرج " في ألمانيا، وهي من أشهر المحاكمات التي شهدها التاريخ المعاصر، والتي قامت بمحاكمة مجرمي الحرب من القيادة النازية.
ثم كانت البداية الحقيقية لما يمكن أن يسمي تطبيق للعدالة الانتقالية، في محاكمات حقوق الإنسان في اليونان في أواسط السبعينيات من القرن الماضي، وبعدها في المتابعات للحكم العسكري في الأرجنتين وتشيلي من خلال لجنتي تقصي الحقائق في الأرجنتين 1983 وتشيلي 1990 ومن بعد ذلك في العديد من دول القارة اللاتينية.
ــ مساهمات أوروبا الشرقية في التعامل مع انتهاكات حقوق الإنسان من خلال فتح ملفات الأمن الداخلي كما حدث في ألمانيا بعد سقوط حائط برلين، وكذلك أيضا عمليات التطهير التي حدثت في تشيكوسلوفاكيا في 1989.
ثم جاءت تجربة دولة جنوب أفريقيا من خلال لجنة "الحقيقة والمصالحة" الشهيرة في 1995 التي تشكلت للتعامل مع قضايا الانتهاكات الجسيمة التي تعرض لها السكان السود في جنوب إفريقيا في فترة التمييز العنصري الطويل.
مرورا بتجارب دول أمريكا اللاتينية في الأرجنتين وتشيلي والبرازيل، بالإضافة إلي التجربة الخاصة جدا التي شهدتها المغرب حين قام الملك الحسن الثاني بإجراءات التحول وتسليم الحكم إلي المعارضة في عام 1995، والتي أفضت إلي إنشاء هيئة "الإنصاف والمصالحة" لتقصي الحقائق واختتمت أعمالها في دفع تعويضات للضحايا والعمل على إصلاح وتأهيل عدد غير قليل من المؤسسات في عام 2005. وبهذا العمل تكون المغرب صاحبة تجربة فريدة في التعامل مع "العدالة الانتقالية"، والتي تمت من داخل النظام نفسه ولم يتم تنفيذها عقب انتهاء حرب أهلية أو ثورة.
ماهية العدالة الانتقالية:
إن مجال العدالة الانتقالية – أو مواصلة العدالة الشاملة أثناء فترات الانتقال السياسي – يهتم بتنمية مجموعة واسعة من الاستراتيجيات المتنوعة لمواجهة إرث انتهاكات حقوق الإنسان في الماضي وتحليلها وتطبيقها عملياً بهدف خلق مستقبل أكثر عدالة وديمقراطية. وفي الجانب النظري والعملي، تهدف العدالة الانتقالية إلى التعامل مع إرث الانتهاكات بطريقة واسعة وشاملة تتضمن العدالة الجنائية وعدالة إصلاح الضرر والعدالة الاجتماعية والعدالة الاقتصادية. وهي بالإضافة إلى ذلك مبنية على اعتقاد مفاده أن سياسة قضائية مسئولة يجب أن تتضمن تدابير تتوخى هدفاً مزدوجاً، وهو المحاسبة على جرائم الماضي والوقاية من الجرائم الجديدة مع الأخذ في الحسبان الصفة الجماعية لبعض أشكال الانتهاكات.
لماذا العدالة الانتقالية؟
تُظهر هذه التجارب والعديد من التجارب المماثلة أن كل وضعية تختلف عن الأخرى وليس ثمة نماذج عالمية حول كيفية مواجهة انتهاكات حقوق الإنسان الماضية أو لماذا علينا ذلك. وفي الوقت نفسه، ثمة شواغل متشابهة يعبر عنها الضحايا والباقون على قيد الحياة بعد الانتهاكات السابقة لحقوق الإنسان في مختلف المناطق. وتشمل تبريرات التعامل مع الانتهاكات السابقة لحقوق الإنسان ما يلي:
1. تقوية الديمقراطية: يعتبر العديد من الأشخاص أن الديمقراطية لا يمكن بناؤها على أساس أكاذيب وأن جهوداً مستمرة ومنظمة وتوافقية لمواجهة الماضي يمكن أن تؤدي إلى ديمقراطية أكثر قوة. ويتم ذلك بشكل كبير من خلال إرساء المحاسبة (مثل مكافحة الإفلات من العقاب) ومن خلال بناء ثقافة ديمقراطية.
2. الواجب الأخلاقي في مواجهة الماضي: يستدل نشطاء حقوق الإنسان والضحايا وآخرون بأن ثمة واجباً أخلاقياً في التذكر، لقبول الضحايا والاعتراف بهم كضحايا. كما أن نسيان الضحايا والناجين من الفظائع يعتبر شكلاً من أشكال إعادة الإحساس بالظلم والإهانة.
3. من المستحيل تجاهل الماضي: ثمة تبرير آخر وهو أنه من المستحيل تجاهل الماضي أو نسيانه – فهو دائماً يطفو على السطح – لذلك من الأفضل إظهاره بطريقة بنّاءة وشافية. ويمكن أن نسمي البديل الآخر "بثورات" الذاكرة حيث يغلي الغضب وعدم الرضا تحت سطح الحياة السياسية وبالتالي ينفلتان من وقت لآخر.
4. لنمنع ذلك في المستقبل!: يعتبر هذا المبرر أن التعامل مع الماضي يخلق نوعاً من الردع. فالتذكر والمطالبة بالمحاسبة هما وحدهما الكفيلان بالوقاية من وقوع أشياء فظيعة مجدداً في المستقبل.
*مقومات العدالة الانتقالية:
تقوم العدالة الانتقالية على معتقد مفاده أن المطالبة بالعدالة الجنائية ليست شيئا مطلقاً، ولكن يجب أن تتم موازنتها بالحاجة إلى السلم والديمقراطية والتنمية العادلة وسيادة القانون. ويعتبر كذلك أنه في السياقات الانتقالية قد تكون ثمة قيود عملية فقط على قدرة بعض الحكومات على اعتماد إجراءات قضائية خاصة. وقد تشمل هذه القيود نقصاً في الموارد البشرية والمادية أو نظاماً قضائياً ضعيفاً أو فاسداً أو سلاماً أو انتقالاً ديمقراطياً هشاً أو عيوب في الأدلة الجنائية أو وجود عدد كبير من مرتكبي الأفعال أو عدد كبير من الضحايا، أو عراقيل مختلفة قانونية أو دستورية مثل قوانين العفو. غير أنه في إطار العدالة الانتقالية، لا تعتبر هذه القيود عذر لعدم القيام بأي شيء بل كلما تحسنت وضعية إحدى البلدان مع مرور الوقت، يتوقع من الحكومة الموالية للشعب أن تحاول إصلاح المظالم الناجمة عن القيود السابقة.
وكمادة، تركز العدالة الانتقالية على الأقل على خمس مقاربات أولية لمواجهة انتهاكات حقوق الإنسان الماضية :
1. المحاكمات (سواء المدنية أو الجنائية، الوطنية أو الدولية، المحلية أو الخارجية).
2. البحث عن الحقيقة وتقصي الحقائق (سواء من خلال تحقيقات رسمية وطنية مثل لجان الحقيقة أو لجان التحقيق الدولية أو آليات الأمم المتحدة أو جهود المنظمات غير الحكومية).
3. جبر الضرر (سواء من خلال التعويض الرمزي أو العيني أو إعادة التأهيل) .
4. الإصلاح المؤسسي (بما في ذلك الإصلاحات القانونية والمؤسسية وإزاحة مرتكبي الأفعال من المناصب العامة وإقامة تدريب حول حقوق الإنسان للموظفين العموميين).
5. إقامة النصب التذكارية وتأسيس "الذاكرة الجماعية" .
أولا: المحاكماتتُعتبر المحاكمات أول فئة كبيرة من آليات العدالة الانتقالية. وبموجب القانون الدولي، تلتزم كل الدول بالتحقيق في جرائم حقوق الإنسان بعد ارتكابها وفرض عقوبات على المسئولين عنها، والتي تتطلب كحد أقصى الالتزام بالتسليم أو المتابعة وكحد أدنى إلحاق عقوبة غير إدارية لا تتنافى كثيراً مع حجم جريمة حقوق الإنسان المعنية .
وبوجه عام تكون المتابعة موجهة بشكل واضح إلى أولئك الأشخاص الذين يتحملون المسئولية الأكبر عن الجرائم. وعندما يتابع هؤلاء المتهمين من ذوي المراتب العليا، تتم مواجهة عدد أكبر من الضحايا والجرائم بأقل عدد من المتابعات، مما يكون ذا فائدة عملية عندما تكون القدرة والموارد محدودة .
ففي سنة 1993، وفى خطوة غير مسبوقة تحققت بفضل نهاية الحرب الباردة، أنشأ مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة محكمة جنائية دولية ليوغوسلافيا، وهي أول محكمة دولية لجرائم الحرب منذ المحكمتين العسكريتين لنورمبرغ وطوكيو. وجاءت بعد المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا المحكمة الجنائية الدولية لرواندا، لمتابعة مرتكبي أعمال إبادة الأجناس في رواندا في سنة 1994 التي تعرض فيها نحو 800.000 من التوتسى والهوتو المعتدلين للإبادة.
ثانيا: البحث عن الحقيقة
غالباً ما تعبر المجتمعات التي تعيش مرحلة انتقالية عن طلبات لفهم مدى وطبيعة العنف أو الانتهاكات التي وقعت أثناء حكم النظام السابق. وينادي الضحايا والمنظمات غير الحكومية لحقوق الإنسان، من بين أطراف أخرى عديدة، بكشف "الحقيقة" حول الماضي، وذلك عادة كرد فعل للنظام السابق الذي كان يعتمد على الأكاذيب والخداع.
وقد ظهرت داخل مجال العدالة الانتقالية، عدة طرق لاستجلاء الحقيقة حول الانتهاكات الماضية لحقوق الإنسان. وأشهر طريقة من بين هذه الطرق هي "لجنة الحقيقة" .
ثالثا: التعويض
أمام الانتشار الواسع لانتهاكات حقوق الإنسان، أصبح لزاماً على الحكومات ليس فقط التصدي لمرتكبي هذه التجاوزات بل أيضاً ضمان حقوق الضحايا. وبوسع الحكومات تهيئة الظروف الملائمة لصيانة كرامة الضحايا وتحقيق العدل بواسطة التعويض عن بعض ما لحق بهم من الضرر والمعاناة . وينطوي مفهوم جبر الضرر على معاني عدة من بينها التعويض (عن الضرر أو ضياع الفرص)، رد الاعتبار (لمساندة الضحايا معنوياً وفى حياتهم اليومية) والاسترجاع (استعادة ما فقد قدر المستطاع).
يمكن التمييز بين التعويضات بحسب النوع (مادية ومعنوية) والفئة المستهدفة ( فردية/ جماعية). ويمكن أن يتم التعويض المادي عن طريق منح أموال أو محفزات مادية، تقديم خدمات مجانية أو تفضيلية كالصحة والتعليم والسكن. أما التعويض المعنوي فيكون مثلاً عبر إصدار اعتذار رسمي، خلق فضاء عمومي لتخليد ذكرى أو إعلان يوم وطني للذكرى.
وتتعدد الأهداف المتوخاة من تدابير جبر الضر مثل الإقرار بفضل الضحايا جماعات وأفراد، ترسيخ ذكرى الانتهاكات في الذاكرة الجماعية، تشجيع التضامن الاجتماعي مع الضحايا، إعطاء رد ملموس على مطالب رفع الحيف وتهيئة المناخ الملائم للمصالحة عبر استرجاع ثقة الضحايا في الدولة. إضافة إلى أن مبدأ التعويضات أصبح إلزامياً بموجب القانون الدولي.
سواء منحت للضحايا تعويضات مادية أو لم تمنح، من المهم أن تؤخذ بعين الاعتبار كذلك عدد من الأشكال الإضافية والهامة من أشكال تعويض الضحايا.
أولا، قد يكون من المهم في بعض السياقات، بالنسبة إلى حكومة جديدة أن تحاول إعادة الحقوق القانونية إلى الضحايا أو ممتلكاتهم. مثل إجراءات مساعدة السكان الذين تم ترحيلهم بالقوة أو الذين سرقت أراضيهم، أو إرجاع حقوق الحرية والمكانة الاجتماعية والجنسية، أو إعادة الإدماج في المناصب السابقة في الوظائف العمومية.
وثانيا، قد يكون كذلك من المهم في بعض السياقات وضع برامج خاصة لإعادة تأهيل الضحايا، بما في ذلك المواساة العاطفية والعلاج البدني أو المساعدة الطبية.
وثالثا، ثمة مجموعة واسعة من الإجراءات الرمزية لجبر الضرر والتي يمكن أن تؤخذ بعين الاعتبار، سواء بالنسبة إلى الضحايا بشكل فردى (مثلا، رسائل شخصية للاعتذار من طرف الحكومات الموالية، أو مراسم دفن ملائمة للضحايا القتلى، الخ ) أو الضحايا بصفة عامة (مثلا الاعتراف الرسمي بما جرى من قمع في الماضي، أو تخصيص فضاء عام وأسماء الشوارع، رعاية العروض الخاصة أو الأعمال الفنية، بناء النصب التذكارية العامة والمآثر والمتاحف الخ )
رابعا: الإصلاح المؤسسي
تأتى خطوة الإصلاح المؤسسي كخطوة مكملة وضرورية للخطوات السابقة (المحاكمات، التعويض)، بغرض ضمان سلامة إنجاح مسيرة الانتقال للمجتمع الديمقراطي. فمن غير المنطقي أن تتم المحاسبة وتعويض الضحايا، مع الإبقاء على ذات تشكيل وأعضاء المؤسسات التي تورطت في ارتكاب الجرائم، فقد يتطلب الأمر إجراء تعديلات هيكلية في بعض المؤسسات ذات الصلة بالانتهاكات، أو تطهير تلك المؤسسات من بعض العناصر التي يثبت تورطهم في ارتكاب الجرائم في النظم السابقة، لضمان عدم تكرار تلك الممارسات مرة أخرى في المستقبل من قِبل الأجهزة الإدارية أو أية أجهزه أخرى في الدولة. وهناك العديد من النماذج الدولية، فيما يتعلق بالإصلاح المؤسسي.
خامسا : إحياء الذكرى
إحياء الذكرى هو أي حدث أو واقعة أو بنية تعمل كآلية للتذكر. ويمكن أن يتم إحياء الذكرى بشكل رسمي (مثل إقامة نصب تذكاري) أو غير رسمي (مثل بناء جدارية في مجتمع محلى)، رسميا من طرف الدولة أو تلقائياً من طرف المواطنين . ويسعى الناس إلى إحياء ذكرى أحداث الماضي لأسباب عديدة، منها الرغبة في استحضار ذكرى الضحايا و/أو التعرف عليهم، أو تعريف الناس بماضيهم، أو زيادة وعى المجتمع، أو دعم أو تعديل رواية تاريخية أو تشجيع تبني الاحتفال بالذكرى/مسلسل العدالة الانتقالية من أقصى مستوى محلي.
ويُشكل فهم احتياجات الضحايا وعائلاتهم والناجين من انتهاكات حقوق الإنسان الصارخة أحد العناصر الرئيسية في العدالة الانتقالية. ورغم عدم وجود شكل وحيد لتعامل الضحية مع الماضي، إلا أن الضحايا وجمعياتهم المنظمة كثيراً ما يطالِبون بالعمل على بلوغ عدد من أهداف العدالة الانتقالية، بما في ذلك تحقيق العدالة والمحاسبة، إظهار الحقيقة، جبر الأضرار، ضمان عدم تكرار ما جرى. إضافة إلى كل ذلك، غالباً ما يكون هناك مطلب بالتذكر، فتذكر الماضي يتيح نوعاً من تكريم الذين ماتوا أو تمت التضحية بهم.
غير أن آليات التذكر يمكن أن تساهم في بلوغ أهداف أخرى للعدالة الانتقالية، بما في ذلك البحث عن الحقيقة، ضمان عدم تكرار الخروقات مستقبلا، تحفيز الحوار والنقاش حول الماضي، وضع سجل تاريخي مناسب، الإنصات لأصوات الضحايا، ومتابعة الأهداف المرتبطة بجبر أضرار الضحايا.
- الإصلاح نت – خاص : مادة بحثية .
تعليقات
إرسال تعليق