لا سكاكين فى هذه المدينة لــ خالد خليفة


تغوص الرواية بعمق فى آليات الخوف والتفكك خلال نصف قرن، كما هى رواية عن مجتمع عاش بشكل متواز مع البطش والرغبات المقتولة، عبر سيرة عائلة اكتشفت أن كل أحلامها ماتت وتحولت إلى ركام، كما تحولت جثة الأم إلى خردة يجب التخلص منها ليستمر الآخرون فى العيش.

مقتطفات من الرواية



في طريقي إلى المنزل تذكرت أن امي لم تبلغ الخامسة و الستين من عمرها كي تموت بهذه الطريقة المفاجئة . فرحت في سري و اعتبرت هذا الحدث تأخر عشر سنوات بسبب تشكيها الدائم من نقص الاوكسيجين . اخبرني خالي نزار انها نهضت بعد الظهيرة من سريرها العفن و بدأت تكتب رسالة طويلة لكائن مجهول كنا نظنه عشيقا أو صديقة قديمة تشاركها الحديث طوال الوقت عن أزمة ماضية لم تعد تعني احدا لكن امي في سنواتها الاخيرة اقامت فيها و لم ترغب بهجرها . لم تصدق بأن الرئيس مات كأي كائن رغم مراسم العزاء و الحداد الوطني . التلفزيون بث صوره و خطاباته القديمة ، استضاف مئات من الاشخاص عددوا خصاله ذكروا القابه اللامتناهية بخشوع كبير ، غصت عيونهم بالدمع و هم يذكرون فضائل الاب القائد ، قائد الحرب و السلم حكيم العرب الرياضي الأول القاضي الأول و المهندس الأول .. و يشعرون بعصة كبيرة لانهم لم يقولوا الإله الأول .
لا سكاكين فى هذه المدينة كانت امي تقول : القوة و البطش لا يموتان ، مفضية : دم الضحايا لا يسمح للطاغية بالموت إنه باب موارب يزداد ضيقا حتى يخنق القاتل . تشرد و تنتقي كلمات مناسبة لحكاياتها الاثيرة عن الماضي تصف بحماس ثياب رفيقاتها الانيقة و روائحهن العطرة المفعمة بالامل تستعرض صور متظاهرات يشبهن ثمار قطن غير مقطوف ناصع البياض تحت شمس غاربة تتابع مديحها للماضي تستحضره بلذة منقمة من حياتها الذليلة تصف الشمس القديمة تشتاق إلى رائحة التراب القديم بعد اول مطر تشعرنا أن كل شيء تغير فعلا و كم نحن بؤساء لاننا لم نعش ذلك الزمن الجميل حيث الخص اكثر طراوة و النساء اكثر انوثة .
تركت المسودات على الطاولة لاسام كالعادة لم نهتم بشأنها كبقية الرسائل القديمة التي كسا الغبار حروفها المكتوبة بحبر صيني خاص طوال عشرين سنة احضرته من مكتبة خالي عبد المنعم في مدخل باب النصر . اعتادت زيارته و السؤال عن ورق مسطر تفوح منه رائحة القرفة اعتاد سؤالها و لم يعد يتبادل معها الذكريات عن زمن الترامواي الجميل كما كانا يسميان طفولتهما الشائكة و علاقتهما المعقدة يناولها بصمت دستة اوراق بيضاء يعيد لها النقود و لا يسمعها حين تطلب منه الصبر يعود للجلوس في ركنه المظلم محدقا في صورة عائلية بهتت الوانها و لم تفارقه في منصفها يقف ابنه يحيى مبتسما شعره ملمع بالزيت يحيطه اخواه حسن و حسين بذراعيهما بحركة قوية واثقة و معبرة عن طموح ابناء العائلة بوئام دائم .
خالي عبد المنعم لم يعد يرى من الصورة سوى ابنه يحيى الذي رآه لاخر مرة جثة مسجاة في مشرحة مشفى الجامعة محترق الوجه و من دون اصابع على جسمه كدمات كابلات كهربائية و شقوق سكاكين متقيحة لم تندمل بعد . اكتفى بنظرة واحدة لتعرف اليه اغلق بعدها الطبيب الشرعي الصندوق الحديدي كأنه يقوم بعمل روتيني و لم يستمع لرجائه الحار بالسماح له بتلمس وجهه . طلب منه ببرود اجراء معاملة استلام الجثة و دفنها دون عزاء تحت حراسة ستة جنود مظليين كانوا يتجولون ببنادقهم و لباسهم الحربي الكامل في ممرات المشرحة .
قبل صلاة الفجر حضر الى المشفى مع ابنيه حسن و حسين و صديق تم طرده بقسوة . حملوا الجثة إلى سيارة دفن الموتى الفولكس فاغن القديمة صعدوا اليها و التفوا حول التابوت حدق بعضهم في عيون بعض و بكوا بصمت .

بيانات الرواية



الاسم:لا سكاكين فى هذه المدينة
تأليف: خالد خليفة
الناشر: دار الآداب
عدد الصفحات: 255 صفحة
الحجم: 4 ميجا بايت

تحميل رواية لا سكاكين فى هذه المدينة 

تعليقات