عصفور من الشرق، رواية من تأليف الكاتب توفيق الحكيم صدرت عام 1938 ترجمت ونشر بالفرنسية عام 1946 طبعة أولى، ونشر طبعة ثانية في باريس عام 1960.
مقتطفات من الرواية
كطر غزير قد ألجأ الناس الى مظلات المشارب و الحوانيت و الى الحيطان و افاريز البيوت و مداخل المترو ... و لم يبق في ميدان (( الكوميدي فرانسيز )) غير مياه تتدفق من الميازيب و سيارات تخوض في شبه عباب ... آدمي واحد ثبت لهذا المطر و جعل يسير الهوينا غير حافل بشيء عيناه الواسعتان تتأملان نافورة الميدان و ي زاخرة بالماء و فمه ذو الشفاة العريضة يلوك شيء كالبلح و يلفظ شيء كالنواة و يده اليمنى كالرسول الامين – من جيبه الى فمه – تواتيه بالمدد في غير انقطاع ... هذا الآدمي فتى نحيل الجسم اسود الثياب على رأسه قبعة سوداء عريضة الاطار في قمتها فجوة غائرة كطبق الحساء قد امتلأت بماء المطر ! ...
و فرغ الفتى من تأمل النافورة فغادرها الى جانب اخر من الميدان بقوم فيه تمثال الشاعر (( دي موسيه )) و هو يستوحي عروس الشعر .. فوقف الفتى ينظر اليه – و قد نقش على قاعدته : (( لا شيء يجعلنا عظماء غير الم عظيم ! ... )) ثم تطلع الى وجه الشاعر فألفى قطرات المطر تتساقط من عينيه كالعبرات فتحرك قلبه و سكت فمه ! .. ثم همس مرددا كالمخاطب لنفسه :
- لا شيء يجعلنا عظماء غير الم عظيم ! .. نعم ! .. ! .. و مرت في رأس الفتى صور من ماض بعيد .. ثم همس : حتى هنا ايضا يعرفون هذا ؟! ..
و غرق في التفكير و غرقت قبعته في الماء حتى فاض فسال على وجهه .. و ااذ صوت خلف ظهره يصيح به :
- اراهن بمائة فرانك ان لا مخلوق يقف هكذا امام هذا التمثال الا انت ! ..
فاستدار الفتى سريعا :
- اندريه ؟! ..
- قبل الكلام ، انج بي و بنفسك من هذا المطر ليس هذا وقت النظر الى التماثيل ! ..
- بل هذا وقته ! .. تأمل يا اندريه ! .. هذه الدموع في عيني الشاعر ! ..
- لو لم يكن هذا الشاعر من رخام لولى الساعة هاربا هو و عروسه الى اقرب قهوة و تركاك وحدك وسط هذه المياه ! ..
و لم ينتظر الفرنسي جوابا من صاحبه بل جذبه الى مظلة قهوة (( الريجانس )) القريبة ثم نظر في وجهه فوجد فمه يتحرك :
- عجبا ! ... ماذا في فمك ؟ ..
فلم يجب الفتي .. و لفظ من فمه نواة وقعت في الماء الجاري الى (( البلاليع )) فصاح به اندريه :
- تأكل بلحا ؟! ..
- نعم .. و في شوارع باريس ! ..
- آه ايها العصفور القادم من الشرق ! ..
- في مصر نسميه (( عجوة )) .. هذا النوع من البلح .. إني اتخيل نفسي الان في ميدان المسجد بحي السيدة زينب ! .. و اتخيل هذه النافورة .. ذلك (( السبيل )) بنوافذه ذات القضبان النحاسية ..
- كفى تخيلا ! .. تعال .. لقد سكن المطر ..
- الى اين ؟ !!
بيانات الرواية
تأليف : توفيق الحكيم
الناشر : مكتبة مصر
عدد الصفحات :196 صفحة
الحجم : 4 ميجا بايت
تعليقات
إرسال تعليق