قصة ملحمية بنيت في مجملها على استخدام المؤثرات الخارقة لتصوير مدينة ألبانية في إبان القرن العشرين. مدينة عجيبة مائلة بشكل مهول. مدينة لو قدر لامرئ أن ينزلق على جانب أحد الشوارع فيها لأوشك أن يجد نفسه فوق أحد سطوح منازلها. ولو مد ذراعه بقبعته لتمكن من تعليقها على رأس إحدى المآذن.
كانت مدينة عجيبة تبدو مثل كائن من كائنات ما قبل التاريخ و كأنها برزت بغتة في الوادي ذات ليلة شتوية لتصعد بمشقة سفح الجبل . و كان كل شيء في هذه المدينة عتيقا و من حجر من الشوارع و و سبل الماء و حتى سطوح المنازل الكبيرة الدهرية المغطاة بصفائح حجرية رمادية شبيهة بحراشف ضخمة . و كان يشق على المرء ان يصدق ان لحم الحياة الرخص كان يعيش و يتوالد تحت هذه القوقعة .
و كانت المدينة توقظ في نفس عابر السبيل الذي يتأملها للمرة الاولى الرغبة في المقارنة و لكنه سرعان ما كان يدرك ان في الامر شركا لان المدينة كانت تستبعد كل المقارنات فلم تكن تشبه في الواقع شيئا . لم تكن تحتمل المقارنات بأكثر من احتمالها الامطار و البرد و اقواس قزح و الاعلام الغريبة المتعددة الالوان التي كانت تفارق سطوحها بمثل ما كانت قد وصلت اليها غير واقعية بقدر ما كانت هي خالدة و واقعية .
كانت مدينة مائلة بل ربما اكثر المدن ميلا في العالم تحدت جميع قوانين العمارة و تنظيم المدن , و كان اعلى احد البيوت يلامس احيانا اسس بيت اخر و كانت بالتأكيد المكان الوحيد في الدنيا الذي لو انحدر فيه المرء على جانب احد الشوارع لأوشك ان يلفي نفسه على احد السطوح .
و هذا ما كان يقع فيه السكارى بخاصة في بعض الاحيان . اجل كانت مدينة عجيبة جدا . فقد كان في وسع المرء و هو يمشي في الشارع ان يعلق اذا مد ذراعيه قليلا في بعض الامكنة قبعته في رأس مئذنة . كانت اشيء كثيرة فيها عجيبة و اشياء كثيرة اخرى تبدو و كأنها من مملكة الاحلام .
و اذا كانت تحافظ بمشقة على الحياة البشرية في اعضائها و تحت درعها الحجرية فإنها لم تكن اقل حرصا على اصابة هذه الحياة بكثير من الالام و الخدوش و الجراح و كان ذلك طبيعيا لانها مدينة من الحجر ملامستها قاسية و باردة .
و لم يكن من السهل ان يكون الانسان صبيا في هذه المدينة .
في الخارج كانت الليلة الشتوية قد غلفت المدينة بالريح و الماء و الضباب . و كنت اصغي و انا لابد تحت الاغطية الى ما كان يبلغني بخفوت من صوت رتيب يحدثه سقوط المطر على سطح بيتنا .
كنت اتخيل القطرات التي لا تحصى و هي تنزلق على السطوح المائلة مسرعة لملاقاة الارض فتتبخر في غد و تعود الى الصعود الى اعلى في السماء البيضاء . و لم تكن تشك في انه ينتظرها تحت السقائف فخ خبيث ، الميزاب . و في اللحظة التي تتهييأ فيها للقفز على الارض كانت تجد نفسها محبوسة فجأة في الانبوب الضيق مع الاف من صويحباتها فتتساءل مذعورة : (( الى اين نذهب ، الى اين يقودوننا ؟ )) ثم إنه ، قبل ان تتمالك نفسها من ذلك السباق المجنون بقذف بها بغتة في سجن عميق ، صهريج بيتنا الكبير .
الاسم : قصة مدينة الحجر
تأليف : أسماعيل قدرى
الترجمة : عفيف دمشقية
الناشر : دار الادب
عدد الصفحات : 301 صفحة
الحجم : 4 ميجا بايت
مقتطفات من الرواية
و كانت المدينة توقظ في نفس عابر السبيل الذي يتأملها للمرة الاولى الرغبة في المقارنة و لكنه سرعان ما كان يدرك ان في الامر شركا لان المدينة كانت تستبعد كل المقارنات فلم تكن تشبه في الواقع شيئا . لم تكن تحتمل المقارنات بأكثر من احتمالها الامطار و البرد و اقواس قزح و الاعلام الغريبة المتعددة الالوان التي كانت تفارق سطوحها بمثل ما كانت قد وصلت اليها غير واقعية بقدر ما كانت هي خالدة و واقعية .
كانت مدينة مائلة بل ربما اكثر المدن ميلا في العالم تحدت جميع قوانين العمارة و تنظيم المدن , و كان اعلى احد البيوت يلامس احيانا اسس بيت اخر و كانت بالتأكيد المكان الوحيد في الدنيا الذي لو انحدر فيه المرء على جانب احد الشوارع لأوشك ان يلفي نفسه على احد السطوح .
و هذا ما كان يقع فيه السكارى بخاصة في بعض الاحيان . اجل كانت مدينة عجيبة جدا . فقد كان في وسع المرء و هو يمشي في الشارع ان يعلق اذا مد ذراعيه قليلا في بعض الامكنة قبعته في رأس مئذنة . كانت اشيء كثيرة فيها عجيبة و اشياء كثيرة اخرى تبدو و كأنها من مملكة الاحلام .
و اذا كانت تحافظ بمشقة على الحياة البشرية في اعضائها و تحت درعها الحجرية فإنها لم تكن اقل حرصا على اصابة هذه الحياة بكثير من الالام و الخدوش و الجراح و كان ذلك طبيعيا لانها مدينة من الحجر ملامستها قاسية و باردة .
و لم يكن من السهل ان يكون الانسان صبيا في هذه المدينة .
في الخارج كانت الليلة الشتوية قد غلفت المدينة بالريح و الماء و الضباب . و كنت اصغي و انا لابد تحت الاغطية الى ما كان يبلغني بخفوت من صوت رتيب يحدثه سقوط المطر على سطح بيتنا .
كنت اتخيل القطرات التي لا تحصى و هي تنزلق على السطوح المائلة مسرعة لملاقاة الارض فتتبخر في غد و تعود الى الصعود الى اعلى في السماء البيضاء . و لم تكن تشك في انه ينتظرها تحت السقائف فخ خبيث ، الميزاب . و في اللحظة التي تتهييأ فيها للقفز على الارض كانت تجد نفسها محبوسة فجأة في الانبوب الضيق مع الاف من صويحباتها فتتساءل مذعورة : (( الى اين نذهب ، الى اين يقودوننا ؟ )) ثم إنه ، قبل ان تتمالك نفسها من ذلك السباق المجنون بقذف بها بغتة في سجن عميق ، صهريج بيتنا الكبير .
بيانات الرواية
تأليف : أسماعيل قدرى
الترجمة : عفيف دمشقية
الناشر : دار الادب
عدد الصفحات : 301 صفحة
الحجم : 4 ميجا بايت
تعليقات
إرسال تعليق