على مدى سنوات طويلة، ظلت رواية "1984" لجورج أورويل تستعاد، يعود إليها الكتاب الذين يتحدثون عن الديكتاتورية والأنظمة الشمولية. وعلى مدى سنوات طويلة، ظلت هذه الرواية حية وتقرأ بسبب جماليتها الأدبية وبسبب الصورة السياسية التي قدمتها.
اليوم، وفي ترجمة جديدة، نقدم هذه الرواية التي صورت بطريقة تنبؤية، مجتمعاً شمولياً يخضع لديكتاتورية فئة تحكم باسم "الأخ الكبير" الذي يمثل الحزب الحاكم، ويبني سلطته على القمع والتعذيب وتزوير الوقائع والتاريخ، باسم الدفاع عن الوطن والبروليتاريا. حزب يحصي على الناس أنفاسهم ويحول العلاقات الإنسانية والحب والزواج والعمل والأسرة إلى علاقات مراقبة تجرد الناس من أي تفرد وتخضعهم لنظام واحد، لا ينطبق على مسؤولي الحزب. إنها رواية تقرأ، ثم تقرأ من جديد.
مقتطفات من الرواية
كان يوما باردا من أيام نيسان بسمائه الصافية وكانت الساعة تشير الى الواحدة بعد الظهر عندما كان ونستون سميث بذقنه المنكفئة على صدره اتقاء لريح بارد ينسل مسرعا عبر الأبواب الزجاجية لمبنى النضر ولم يحل اندفاعه السريع دون دخول دوامة من الريح المحملة بذرات الغبار .
كان الممر الذي يجتازه عابقا بروائح الملفوف المسلوق والفرش المهترئ وعند نهاية هذا الممر علقت ورة ملونة وذات حجم كبير لا يتناسب مع مثل ذاك الممر الضيق وكانت تمثل وجها ضخما يربو عرضه على المتر وهو وجه رجل في الخامسة والأربعين ذو قسمات جميلة وان كانت لا تخلو من خشونة وصرامة وجهه فيه شاربان أسودان كثان .

كانت الشقة التي يقصدها ونستون في الطابق السابع وكان عليه أن يصعد سلما طويلا ولأنه في التاسعة والثلاثين من عمره ويشكو من دوال فوق كاحله الأيمن فقد راح يرتقي درجات السلم بخطى وئيدة متوقفا للاستراحة عدة مرات وعند كل منعطف من منعطفات السلم السبعة وعند كل محطة من محطات المصعد وبمواجهة الباب كانت تنتصب صورة الوجه الضخم لتحدق في وجه كل قادم .
انها واحدة من تلك الصور المرسومة على نحو يجعل المرء يعتقد أن العينين تلاحقانه أينما تحرك , وكان يوجد أسفل تلك الصورة عبارة بارزة تقول : " الأخ الكبير يراقبك " .
عندما دخل ونستون الى الشقة سمع صوتا يسرد قائمة أرقام تتعلق بانتاج الحديد الخام وكان الصوت ينبعث من لوحة معدنية مستطيلة الشكل تشبه مرآة معتمة معلقة على الحائط الأيمن .
أدار ونستون مفتاحا فخقتت حدة الصوت قليلا وان ظل الكلام واضحا كان بمقدور ونستون تخفيض صوت هذا الجهاز والذي كان يسمى " شاشة الرصد " ولكن لم يكن بوسعه ايقاف تشغيله بشكل تام .
انتقل ونستون نحو النافذة بجسمه النحيل الضئيل الذي زاد من ضآلته الزي الأزرق وهو لباس الحزب وكان شعره مائلا للشقرة ووجهه شديد الاحمرار أما بشرته فكانت مخشوشنة من أثر الصابون الرديء وشفرات الحلاقة غير الحادة وبرودة فصل الشتاء الذي كان قد شارف على نهايته .
وعلى الرغم من أن زجاج النافذة كان موصدا فقد كان الجو خارجها يبدو باردا وفي الشارع كانت زوابع الرياح تثير الغبار والأوراق الممزقة فتتصاعد لأعلى في أشكال حلزونية .
ورغم أن الشمس كانت ساطعة والسماء داكنة الزرقة فقد بدا كما لو أن كل الأشياء قد طمس لونها ما خلا تلك الصور التي كانت معلقة في كل مكان .
فمن كل زاوية كان ذلك الوجه ذو الشارب الأسود يطل محدقا في وجه المارة , وعلى واجهة المنزل المقابل كانت تنتصب واحدة من تلك الصور المكتوب تحتها بأحرف بارزة عبارة " الأخ الكبير يراقبك " وكانت العينان السوداوان تنفذان الى أعماق ونستون .
وفي الشارع كان ثمة ملصق آخر ممزق من احدى زواياه وتظهر عليه تارة وتنحسر تارة أخرى عبارة انجسوك " الاشتراكية الانجليزية " وذلك بحسب هبات الرياح وفي الأفق البعيد كانت تحوم طوافة بين السطوح تقترب تارة وتبتعد تارة فتبدو أشبه بخنفساء زرقاء ثم تنطلق منعطفة في مسار آخر .
ولم تكن هذه الطوافة غير دورية شرطة تتلصص على الناس عبر النوافذ غير أن الطوافة لم تكن ترهب الناس كما ترهبهم شرطة الفكر .
بيانات الرواية
تأليف : جورج اورويل
الترجمة : أنور الشامى
الناشر :المركز الثقافي العربي
عدد الصفحات : 352 صفحة
الحجم : 6 ميجا بايت
تعليقات
إرسال تعليق