بيروت 75 لــ غادة سمان

نشرت غادة السمان هذه الرواية قبل إندلاع الحرب الأهلية في لبنان ببضعة أشهر، لذلك تكمن قيمتها الأساسية في قدرتها على التنبؤ بمستقبل لبنان المظلم، فقد عكست بصدق شديد إرهاصات ما قبل الحرب الأهلية. وقد أبدت فيها غادة السمان حساسيتها الشديدة لما يجري على الساحة اللبنانية عامة، وفي بيروت بشكل خاص
مقتطفات من الرواية
مقدمة


الشمس شرسة وملتهبة , وكل ما في ذلك الشراع الدمشقي كان ينزف عرقا , ويلهث الأبنية والأرصفة كانت ترتجف بالحمى وترتعش عبر أبخرة الحر المتصاعدة من كل شيء حتى الأصوات كانت شديدة السمرة والاختناق ولوهلة خيل الى فرح أن الشراع بأكمله سيغمى عليه , الأشجار السيارات المارة الباعة والرجل الواقف أمام الكراج وهو ينادي بصوت مذبوح : " بيروت , بيروت " .
ومرت بباب الكراج حلوة صغيرة , وخيل الى فرح أن خديها توهجا لسماع اسم بيروت أم تراه الحر ؟ " كلهن وكلهم يحلم ببيروت لست وحدي ولكنني وحدي ذاهب لاقتحامها " .
" بيروت , بيروت " ينادي الرجل ذو الكرش المدلوق كأنما أغمى على كرشه من الحر " بيروت , بيروت " ينغم الاسم كما لو كان يقدم راقصة للجمهور في " الكباريه " .
بيروت 75 لــ غادة سمان تأتي صبية حلوة تودعها أمها , الأم محجبة وتبدو على ثيابها رقة الحال والفتاة ترتدي ثوبا قصيرا جدا يكشف عن ساقين شديدتي البياض والامتلاء يفكر فرح : " ها هي راكبة اخرى , ثلاثة ركاب آخرون وننطلق الى بيروت لا أستطيع مزيدا من الانتظار " وأحس بجسده يرتعش لاسم بيروت كما لو التصق به الاسم جسدا لامرأة عارية .
أخيرا امتلأت السيارة فجأة .. احتلت المقعد الخلفي نسوة ثلاث محجبات يغطيهن السواد من الرأس حتى أخمص القدمين .
وها هو يجلس بجانب السائق والصبية الى جانبه في المقعد الملاصق للنافذة والأم تبكي وهي تودعها وبدت الفتاة ضيقة الصدر بأمها ترسل نظراتها الى السائق كي يسارع للانطلاق بسيارته تذكر فرح أمه , انه يكره الوداع حين تقال الكلمات الثقيلة اللزجة مثل اللبان المبصوق ثم ان أمه ما كانت لتبكي كانت ستغطي وجهها بيديها الخشنتين الملوثتين دوما بتراب الحقل كما تفعل دائما حينما تتعذب ثم تصعد أنة خافتة ولكن بلا دموع وهو يتشاءم كثيرا حين يسمعها تئن ربما لذلك هرب بلا وداع ! ولكن رسالة التوصية من أبيه الى نيشان قريبه الثري في بيروت ستساعده وتحميه تراه أضاعها ؟ للمرة العشرين يتحسسها في جيبه يتذكر فجأة أنه نسي احضار ساعة المنبه معه , ونسي اقفال خزانته هل نسي أم لا ؟
لا يدري ليس واثقا هو دوما هكذا يتأخر أحيانا عن الوصول الى عمله لأنه يتذكر في منتصف الطريق أنه نسي اقفال خزانته ... ويعود طوال الطريق من دمشق الى دوما لاقفالها ويكتشف أنه كان قد فعل ذلك ! دوما يتوهم أنه لم يقفلها وحين يعود يكتشف أنه كان قد أقفلها بالمفتاح مرتين , ثم لماذا هذا الحرص على اقفالها وهو يعرف جيدا أن لا شيء فيها يستحق اهتمام أحد ؟ لا يدري انها خزانته وكفى .. على أية حال الذنب ليس ذنبه أو ذنب الخزانة انه لا يصلح للعمل كموظف .. في بيروت سيفعل ما يشاء .
وفكر بغيظ : " آه الشمس ! كم هي حارة ! أكاد أختنق والمدموزيل الى جانبي أغلقت النافذة خوفا على شعرها المصفف وليس في الجو نسمة ما أسمج النساء ! "
وفكرت الصبية الجالسة الى جانبه " آه الشمس ! كم هي حارة وممتعة ! انها تزيدني التهابا وشوقا للرحيل .. أحب لسعها فوق وجهي "




بيانات الرواية
الاسم : بيروت  75
تأليف : غادة سمان
الناشر : منشورات غادة السمان
عدد الصفحات : 112 صفحة
الحجم : 3 ميجا بايت
تحميل رواية بيروت 75

تعليقات