نهر الحياة لــ عبد الوهاب مطاوع


هذا الكتاب يضم مجموعة من القصص الواقعية التى تنقل معاناة الانسان وضعفه .. وحيرته الابدية فى البحث عن سعادته ومغالبة أقداره

مقتطفات من الرواية

مقدمة
عيد الميلاد


أنا يا سيدي شاب في التاسعة عشرة من عمري , نشأت في جو أسري هادئ يظلله الحب والتفاهم بين أبي وأمي وكنا ولدين أنا الأكبر طالب في السنة الأولى باحدى كليات جامعة الاسكندرية والأصغر طالب بالسنة الثانية الثانوية , وأبي محام باحدى المدن الصغيرة القريبة من الاسكندرية وأمي ربة بيت متعلمة جميلة هادئة .. من هذا النوع الذي " يصالح " الدنيا مهما فعلت به نفسها راضية دائما باسمة في وجوه الناس تساعد كل من يطلب مساعدتها وتحب جيرانها وأهلها وأهل أبي ويحبها الجميع وحين حصلت على الثانوية العامة أراد أبي أن يلحقني بكلية جامعية في عاصمة الأقليم الذي نعيش فيه لكي أذهب الى الكلية وأعود في نفس اليوم الى بيتنا الهادئ في المدينة الصغيرة لكن نفسي كانت تهفو الى الالتحاق بكلي أخرى لا وجود لها في عاصمة الاقليم .. ورغم ذلك فلم أعارض نهر الحياة لــ عبد الوهاب مطاوع أبي خاصة حين قال لي انه لا يريد لنا أن نفترق بلا ضرورة , لكيلا نحرم من صحبتنا ومن اجتماعنا كل مساء على مائدة العشاء كما تعودنا منذ صغرنا , ووافقته احتراما لمشاعره وتقديرا لرغبته في أن نكون تحت رعايته وبالقرب منه لكن نفسي كانت تهفو الى الكلية الأخرى ويبدو أني حزنت في داخلي لحرماني منها .. وان هذا الحزن قد ظهر علي لأني بعد أيام من ظهور النتيجة وجدت أبي وأمي جالسين في مكتب
أبي في الشقة يتهامسان كعادتهما حين يتشاوران في أمور الحياة , ثم خرج الي أبي وأنا جالس في الصالة اتفرج على التليفزيون وسألني هل مازلت راغبا في الالتحاق بهذه الكلية ؟ ورأيت حيرته فأشفقت عليه وقلت له لا يا أبي لا أريدها ولا أريد أن أبتعد عنكم .. فابتسم ابتسامة حزينة وقال لي وكأنه يخاطب نفسه : لا بل أنت تريدها لكنك ولد طيب ولا تريد أن تؤلمني لكن الحق معك .. اذ لا بد أن نتعود على الفراق من الآن لأن الدنيا لا تدوم على حال واحد ثم قبلني وأعلن لي موافقته على الالتحاق بهذه الكلية , وبعد أيام كنا نقدم أوراقي في مكتب التنسيق وقبلت أوراقي في الكلية واقترب موعد الدراسة , وجاء يوم السفر فاستيقظنا جميعا من الفجر وركبنا القطار الذي يغادر بلدتنا " في عتمة " الفجر , وصلنا الى الاسكندرية فأقمنا في فندق صغير , ونزلت مع أبي نطوف شوارع المدينة القريبة من كليتي عثر على سكن مناسب لي في شقة قديمة مفروشة من غرفتين تؤجر للطلبة بايجار معقول في الشتاء بشرط اخلائها قبل الصيف لتؤجر خلاله بايجار مضاعف عدة مرات .
وانتقلت أسرتي من الفندق لتقيم معي في الشقة الأيام الأولى من الدراسة وراحت أمي تصنع لي طعاما يكفيني أسبوعين وتنظم لي حياتي وترشدني الى كيفية تدبير حياتي وحدي ثم سافر أبي وأمي وشقيقي بعد أن اطمأنوا علي وتعرفوا على جيراني في نفس الدور .
وأوصوهم بي خيرا وكان جيراني الملاصقون لي أسرة طيبة لموظف في الميناء في الأربعين من عمره يعيش مع زوجته الاخصائية الاجتماعية وحدهما ولم ينجبا وكانا يتجنبان التعرف على سكان هذه الشقة من الطلبة قبلي لكنهما توسما في أسرتي الطيبة فرحبا بمعرفتهما وخاصة أمي بالذات التي كسبت ودهما سريعا ووعداها برعايتي وتبادلا مع أبي أرقام التليفون .
ولا أنسى منظر أبي وهو الرجل الوقور الذي طالما رأيته يزار في المحكمة .
وهو يقول لجاري على السلم مودعا والدموع في عينيه : أستودعتك الله ,, وأستودعتك ابني وابنك ثم يشد على يديه بانفعال ويعانقه ويعانقني أمامه ويمضي بغير أن ينظر وراءه , أما أمي فكانت لدهشتي أكثر تماسكا فقبلتني وابتسامتها لا تفارقها وعانقت زوجة جاري وقبلتها وحيتهما وانصرفت .

بيانات الرواية



الاسم : نهر الحياة
تأليف : عبد الوهاب مطاوع
الناشر : دار الشروق
عدد الصفحات : 269 صفحة
الحجم : 3 ميجا بايت

تحميل رواية نهر الحياة

تعليقات