سوناتا لأشباح القدس لــ واسينى الاعرج

الرواية جميلة، تحكي عن مي الفنانة الفلسطينية الرقيقة التي أقصيت عن وطنها مثلها مثل آلاف الفلسطينيين النازحين في سنة 48، وأوجدت لنفسها في نيويورك وطناً يخصها، وقضت كل حياتها - تقريباً - وهي تحارب الذاكرة العامرة بالجراح والألم، مصرة على الانتصار للحياة والجمال والفن، رغم كل شيء.
مقتطفات من الرواية
مقدمة


وصايا أمي
أنا لم أر القدس الا ثلاث مرات في حياتي :
الأولى
عندما انتابني جدي من أمي " سيدي بومدين لمغيث الأندلسي , وأنا في غفوة على الجهة الأخرى من ساحل البحر الميت . كان واقفا عند رأسي يتمادى بعينيه بعيدا نحو الضفاف المقابلة قبل أن يمد يده اليمنى في الفراغ اللذيذ لتحط في عمق كفه فراشة بآلاف التدرجات والألوان .
نظرت اليه مليا بعينيها الصغيرتين ثم نامت ولم تستيقظ أبدا , حاول ايقاظها بنعومة ولكنها استمرت في اغفاءتها .
سوناتا لأشباح القدس لــ واسينى الاعرج أدرك سر الاشارة من عمق العلامة , لا أدري ماذا حدث له لحظتها ولكني رأيته يتضور ألما ويمسح عرقا تصبب على جبينه فجأة , لم يقل شيئا كانت الفراشة ما تزال نائمة , جرني وراءه وهو يسرع الخطى نحو حي المغاربة في عمق القدس ليبني في نهاية المسلك وراء حائط البراق مقاما جليلا نام في حضنه بعد أن تعطر ولبس برنسه بألوانه الزاهية ولم يستيقظ أبدا في الأيام التي تلت عندما زاره الذين عرفوا سره لم يجدوا أثرا له , استغرب الجميع هذا الرحيل المفاجئ لرجل أحب القدس حتى صار لا يرى غيرها في الدنيا .
قيل بعد سنوات من هذه الحادثة انه غضب مما كان يسمع من تمزق أهل المدينة الذين تآلفوا عبر القرون حتى أن هناك من سمعه يقول : الفلسطينيون مسلمين كانوا أو مسيحيين أو يهودا تألموا كثيرا على هذه التربة حتى أصيبوا بأقاصي الآلام المضنية , قبل أن يصلوا الى شهوة المنتهى ولهذا تتقاتل الأقوام ويظلون هم أوفياء لعقد الأنبياء الذين مروا على هذه الأرض وقيل انه امتطى دابته وفي رواية أخرى فراشته ورحل عن المدينة التي خذله أهلها بدون أن يلتفت وراءه باتجاه بلاد المغرب ليموت للمرة الأخيرة على مداخل مدينته الأندلسية التي كانت تملأ رؤاه كلما ضاقت سبل الدنيا عليه .
الثانية
كنت في أوبرا لاسكالا بميلانو قبل سنوات أعزف لاترافياتا على البيانو , في حفل تكريمي لماريا كالاس عندما انتابتني أمي , مي " أو مريم كما سماها جدي عند ولادتها " التي سرقها الموت مني قبل الأوان , نحن نخطئ دوما حينما نظن أن الذين نحبهم معصومون من الموت .
فقد شعرت يومها بالألم نفسه الذي انتاب جدي على حين غفلة فانكفأت في عزلتي على بيانو ريشاردسن عازف هارلم الكبير , الذي ورثته أمي عن خالتها دنيا وأغمضت عيني وعزفت أخيرا السوناتا التي استعصت علي زمنا طويلا ولا أدري الى اليوم كيف حضرت المقطوعة التي قضيت زمنا أبحث عنها بدون أن أعثر على استقامتها المرجوة .
رأيت لحظتها أمي وراء ضباب الموت رأيتها بعيني هاتين اللتين لن تمسهما النار كما تقول مي , وهي تعبر شوارع المدينة المندسة خلف نثار الأجساد ورائحة البارود , تدور في الحارات زاوية زاوية وبابا بابا : الحرم القدسي الشريف قبة الصخرة المسجد الأقصى , باب الرحمة حارة الشرفة وحارة اليهود في الجزء الجنوبي الشرقي من المدينة وحارة المغاربة مع باب المغاربة ثم حارة الارمن وباب النبي داوود وجبل الزيتون وحارة النصارى في الجزء الشمالي الغربي من المدينة وكنيسة القيامة والباب الجديد وحارة السعدية وحارة باب حطة .
كنت خائفا عليها من جملة ظلت ترددها على مسمعي : حذار من أن تصبح مثل الجرس المعلق في كنيسة مهملة كلما مسته يد تداعى ألما ثم هدأ على أنينه وحزنه الأول .
كانت تركض بلا توقف وراء الفراشات في حي المغاربة وهي تصيح مثل أرخميدس في غمرة عرس من الألوان : وجدتها ... وجدتها ... سألتها : ماذا وجدت يا يما ؟ قالت وهي تكاد لا تعير اهتماما لكلامي من كثرة انتشائها بالفراشات التي غطتها كليا : الألوان يا بويا ... ألوان القدس ... تصور ... وجدتها مجتمعة كلها في جناحي فراشة .




بيانات الرواية
الاسم : سوناتا لأشباح القدس
تأليف : واسينى الاعرج
الناشر : دار الآداب
عدد الصفحات : 572 صفحة
الحجم : 6 ميجا بايت
تحميل رواية سوناتا لأشباح القدس

تعليقات