مقتطفات من الرواية
حديقة البيت تمتد حتى شاطئ النيل الأزرق قبل اقترانه ببضعة كيلو مترات , بالنيل الأبيض عند " المقرن " الذي يمكنك مشاهدته اذا ما مددت عنقك من شرفة " الجراند هوتيل " في الخرطوم يمتد النيل الأزرق لبضعة أمتار موازيا حديقة البيت ليروغ منها متجها الى مصيره الأبدي على الشاطئ المقبل للحديقة " حلة " صغيرة غامضة تنبعث منها في الأمسيات الرائقة أصوات الغناء مصحوبة بالدفوف والدربكة .في البداية كان الصوت الذي تحمله أمواج النهر وهواؤه من الحلة الى حديقة البيت والفرانده الكولونيالية المشرفة على الحديقة يبعث فيها نوعا من الترقب القلق من الخوف الغامض .

بيت يشبه اافيلا من طابق واحد مازالت أجهزة التبريد البدائية القديمة تهز حوائطه السميكة التي يعاد طلاؤها كل عام بطبقة جديدة من الطلاء الأصفر طبقا للتعليمات المتبعة من عهد اللورد كتشنر أوف كرتوم " أو اذا شئت كتشنر الخرطومي " هذا البيت والبيوت المتشابهة مخصص لسكني المووظفين الذين ليست لهم أهمية في الكهنوت الدبلوماسي مثل موظفي القنصلية وشعبة حقوق الانسان والتنمية والمساعدات الانسانية .
عادة ما يكونون اما في بداية تدرجهم في سلك الكهنوت الدبلوماسي , أي في منتصف العشرينيات من أعمارهم أو على الأكثر في نهاياتها واما أن يكونوا في بداية النهاية حيث وصولا الى الطريق المغلق الذي تكون نهايته هي نهاية الخدمة .. أعمارهم بين الخمسين والستين يقضون السنوات الأخيرة من خدمتهم في المستعمرات السابقة قبل أن يستقروا في القرى البريطانية الصغيرة وفي البيوت ذات الحدائق الخلفية الصغيرة يرعون أزهارهم وذكرياتهم القليلة .
تجلس الآن كما تجلس كل مساء تراقب بنصف وعي غروب الشمس المتأخر في ليالي الصيف التي مازال بعد في منتصفه .
طبخ لها السفرجي الدطلاوي الذي ورثته ضمن أثاث البيت الحكومي ممن كان يقيم فيه قبلها .. طبخ لها طعامها كما طلبت منه , لم تكن أكولة لكنها تحب الطعام الجيد المتنوع الذي يتيحه المناخ الاستوائي المعتدل في السودان .
شال ما تبقى من العشاء وأحضر لها دلو الثلج الصغير وزجاجة الويسكي الدمبل والكأس المبرد في الثلاجة أومئت برأسها شاكرة وغمغم هو ببضعة أصوات كان كعادته يتحرك بهدوء وبطء وبقليل من التصلب الذي يحتل عضلاته الآن وهو يقترب من السبعين .. ضنين الكلام نظيف الثياب والجسد .
لا تعلم عنه شيئا سوى اسمه وأنه من دمقلا في الشمال وأنه الطباخ والسفرجي وأنه يعمل مع موظفي السفارة من زمن بعيد , لم تكن تهتم أو تعلم شيئا كثيرا عن أي شيء فهي من هذه الطبقة الوسطى الصغيرة التي اكتسبت البراعة في البقاء دون كثير من تأنيب الضمير الناتج عن المعرفة أو الفضول الخاص بالعالم وخاصة عن أولئك الذين يعملون في خدمتها ابتداء من جنود قبائل الجوركا الهندية الذين ماتوا في سبيل الامبراطورية والذين لا يعلمون عنها شيئا سوى أولوان رايتها .
بيانات الرواية
تأليف : رؤف مسعد
الناشر : المركز المصرى العربى
عدد الصفحات : 168 صفحة
الحجم : 3 ميجا بايت
تعليقات
إرسال تعليق