رواية كوابيس بيروت الـ197 ترصد فيها الكاتبة مناخات بيروت عند تفجر أزمة الحرب اللبنانية، كما ترصد أوضاع المثقفين والسياسيين والناس العاديين حيث رائحة البارود والفساد تزكم الأنوف، إذ يمتزج العهر السياسي والمالي والاحتكاري مع العهر الجنسي في بوتقة مناخ فاسد إنسانياً. كما تتغلغل في ثنايا وزوايا الحياة اليومية لأفراد عاديين يعيشون حياتهم في زحمة الأحداث غير مكترثين لمصير وطن كامل.
مقدمة
كابوس 1
حينما طلع ضوء الفجر , كان كل منا يتأمل الآخر بدهشة : كيف بقينا أحياء ؟
كيف نجونا من تلك الليلة .. فقد قضينا ليلة كانت القذائف والمتفجرات والصواريخ تركض فيها حول بيتنا كأن عوامل الطبيعة قد أصيبت بالجنون .. وكانت الانفجارات كثيفة كما في فيلم حربي سيء لكثرة مبالغاته ..
لم نكن قد صحونا جيدا من " عدم نومنا " حين اتخذنا قرارا سريعا : اخراج الأطفال والعجائز من البيت وخلال عشر دقائق من الركض الهستيري بين غرف البيت لجمع حوائج سيتبين لنا حتما بعد أنها غير ضرورية - كانت " القافلة " تهط سلم البيت الى الحديقة ومنها الى سيارتي العتيقة .. وكان زجاجها الأمامي مثقوبا برصاصة عند موضع رأس السائق أي عند موضع رأسي والزجاج الخلفي محطما ومتماسكا في مكانه .
تحسست رأسي وفرحت حين وجدته في مكانه دون أي ثقب اضافي منظر الرصاص في الزجاج زاد من جنوننا لتهريب الصغار جدا والكبار جدا كأن لأصوات المتفجرات مفعول غامض كالمخدرات .. كأنها تطلق في الأعماق طاقة سرية مختزنة وتلجم في الوقت ذاته صوت المنطق اليومي والعقل العادي المتداول ..
يبدو أننا أغلقنا أبواب السيارة علينا بعنف فقد تساقط الزجاج المحطم الذي كان متماسكا رغم شروخه وسقط فوقنا قطعا بيضاء صغيرة كالثلج الشرير , كان خوفي الوحيد من أن تقرر سيارتي العتيقة ممارسة احدى ألاعيبها كأن تعتصم بأرض الشارع وتضرب اليوم عن العمل , كان قلبي يضرب كطبل افريقي مجنون وأنا أدير مفتاح " الكونتاكت " تحركت السيارة كالمنومة مغناطيسيا كنت أقودها وفي ذهني خاطر واحد , التخلص من حمولتها البشرية الأقل صبرا على الرعب والعودة الى البيت .
أنزلتهم أمام بيت بعض الأقارب وعدت في الدرب نفسها مثل دمية ربط " زمبركها " وهي تؤدي دورها على الخط المرسوم لسيرها دونما توقف " وحتى لو ما حدث لي حين مررت بحواجز المسلحين الجدد الكثر .. لم أتوقف ولم أسرع ولم أشعر بأني رأيتهم ولم تبد علي وجوههم غير الدهشة .. كان من الواضح أن السيارة مصابة بزخات من الرصاص وخصوصا عند موضع رأسي وكان المدهش أنني مازلت أحيا وأقودها دون أي تعبير على وجهي وربما ظنوا أني مت حين أطلقت النار على السيارة وها أنا أقودها في طريقي الى الآخرة .. ووحدها الدرب الى الآخرة سالكة وآمنة وبلا حواجز ... وهكذا لم يستوقفني أحد .
كابوس 2
حين غادرت سيارتي ذلك الصباح ودخلت الى البيت سالمة حتى اشعار آخر لم أكن أدري أنها المرة الأخيرة التي سأغادر فيها بيتي الى ما بعد أيام طويلة ... وأني سجينة كابوس سيطول ويطول ...
وأني عدت وأخي الى البيت لنلعب دور السجناء ولو علمنا لتزودنا بشيء من الطعام في درب العودة ولو علمنا ربما لما عدنا ولو ... لو ... وزرعنا " لو " في حقول الندم , فنبتت كلمة يا " ليت " !
كابوس 3
لم نكن قد سمعنا الراديو بعد , فقط حينما عدت : تذكرت أني للمرة الأولى منذ شهر غادرت البيت دون أن أستمع الى ارشادات المذيع شريف , أو أغسل وجهي على الأقل .
الاسم : كوابيس بيروت
تأليف : غادة السمان
الناشر : منشورات غادة السمان
عدد الصفحات : 90 صفحة
الحجم : 2 ميجا بايت
تحميل رواية كوابيس بيروت
مقتطفات من الرواية
كابوس 1
حينما طلع ضوء الفجر , كان كل منا يتأمل الآخر بدهشة : كيف بقينا أحياء ؟
كيف نجونا من تلك الليلة .. فقد قضينا ليلة كانت القذائف والمتفجرات والصواريخ تركض فيها حول بيتنا كأن عوامل الطبيعة قد أصيبت بالجنون .. وكانت الانفجارات كثيفة كما في فيلم حربي سيء لكثرة مبالغاته ..
لم نكن قد صحونا جيدا من " عدم نومنا " حين اتخذنا قرارا سريعا : اخراج الأطفال والعجائز من البيت وخلال عشر دقائق من الركض الهستيري بين غرف البيت لجمع حوائج سيتبين لنا حتما بعد أنها غير ضرورية - كانت " القافلة " تهط سلم البيت الى الحديقة ومنها الى سيارتي العتيقة .. وكان زجاجها الأمامي مثقوبا برصاصة عند موضع رأس السائق أي عند موضع رأسي والزجاج الخلفي محطما ومتماسكا في مكانه .
تحسست رأسي وفرحت حين وجدته في مكانه دون أي ثقب اضافي منظر الرصاص في الزجاج زاد من جنوننا لتهريب الصغار جدا والكبار جدا كأن لأصوات المتفجرات مفعول غامض كالمخدرات .. كأنها تطلق في الأعماق طاقة سرية مختزنة وتلجم في الوقت ذاته صوت المنطق اليومي والعقل العادي المتداول ..
يبدو أننا أغلقنا أبواب السيارة علينا بعنف فقد تساقط الزجاج المحطم الذي كان متماسكا رغم شروخه وسقط فوقنا قطعا بيضاء صغيرة كالثلج الشرير , كان خوفي الوحيد من أن تقرر سيارتي العتيقة ممارسة احدى ألاعيبها كأن تعتصم بأرض الشارع وتضرب اليوم عن العمل , كان قلبي يضرب كطبل افريقي مجنون وأنا أدير مفتاح " الكونتاكت " تحركت السيارة كالمنومة مغناطيسيا كنت أقودها وفي ذهني خاطر واحد , التخلص من حمولتها البشرية الأقل صبرا على الرعب والعودة الى البيت .
أنزلتهم أمام بيت بعض الأقارب وعدت في الدرب نفسها مثل دمية ربط " زمبركها " وهي تؤدي دورها على الخط المرسوم لسيرها دونما توقف " وحتى لو ما حدث لي حين مررت بحواجز المسلحين الجدد الكثر .. لم أتوقف ولم أسرع ولم أشعر بأني رأيتهم ولم تبد علي وجوههم غير الدهشة .. كان من الواضح أن السيارة مصابة بزخات من الرصاص وخصوصا عند موضع رأسي وكان المدهش أنني مازلت أحيا وأقودها دون أي تعبير على وجهي وربما ظنوا أني مت حين أطلقت النار على السيارة وها أنا أقودها في طريقي الى الآخرة .. ووحدها الدرب الى الآخرة سالكة وآمنة وبلا حواجز ... وهكذا لم يستوقفني أحد .
كابوس 2
حين غادرت سيارتي ذلك الصباح ودخلت الى البيت سالمة حتى اشعار آخر لم أكن أدري أنها المرة الأخيرة التي سأغادر فيها بيتي الى ما بعد أيام طويلة ... وأني سجينة كابوس سيطول ويطول ...
وأني عدت وأخي الى البيت لنلعب دور السجناء ولو علمنا لتزودنا بشيء من الطعام في درب العودة ولو علمنا ربما لما عدنا ولو ... لو ... وزرعنا " لو " في حقول الندم , فنبتت كلمة يا " ليت " !
كابوس 3
لم نكن قد سمعنا الراديو بعد , فقط حينما عدت : تذكرت أني للمرة الأولى منذ شهر غادرت البيت دون أن أستمع الى ارشادات المذيع شريف , أو أغسل وجهي على الأقل .
بيانات الرواية
تأليف : غادة السمان
الناشر : منشورات غادة السمان
عدد الصفحات : 90 صفحة
الحجم : 2 ميجا بايت
تحميل رواية كوابيس بيروت
تعليقات
إرسال تعليق