صفارة إنذار لــ غادة السمان

 
مقتطفات من الرواية
مقدمة
صفارة إنذار داخل رأسي
كلما جلست هذه الأيام لأكتب , ينطلق داخل رأسي صوت صفارة الانذار ... يعلو داخل دماغي يمزق أفكاري كلها ويملؤني بحس الخطر مثلما تشعر كائنات الطبيعة البريئة في الليل بأن شباك الصيادين تنتشر في الغابة حولها وأن الشباك قد حيكت بحذق ودهاء وأن سكين الصياد لا ترحم ..


ليست صفارة الانذار هي ذلك الصوت المدوي الذي تطلقه الأبواق في أرجاء المدينة , هنالك أيضا صفارات انذار أشد شارسة وأكثر استفزازا لحس الخطر ... انها تلك الصفارات اللامسموعة , تلك التي تنطلق في الأعماق خافتة ولا يسمعها أحد خارجك لكنها قد تصم أذنيك , انها تنطلق أمام ظواهر صغيرة هي بمثابة مؤشر على الخطر الداهم .. انها تلك الحاسة التي تطلق صفارة انذار داخلية وتدفع بالحصان البري وغيره من كائنات الطبيعة الى الوعي بالزلزال قبل وقوعه , وهي حاسة يملكها الانسان اذا سمح لها بأن " تكون " ويستطيع سماع صوتها اذا أنصت .
صفارة إنذار لــ غادة السمان عملاق مربوط الى طاولة التخدير , هكذا أراهم يخططون للشعب العربي اليوم , وأرى أعداءه وبعض المتواطئين على أرضه وتاريخه وذاكرته يلتفون حوله في ثياب الأطباء باحثين عن أسرع السبل لتخديره ... وبين الحين والحين يطير اليهم " خبراء أجانب " أخصائيون في قضايا تخدير الشعوب , حاملين معهم وصفات جديدة لغسل دماغنا المثقل بالقهر والغضب والثورة ...
احساس عام يثقل على الصدور يوما بعد يوم .. ليس مبعثه خطوة واحدة معينة , وانما هو حصيلة تحركات كثيرة ... وتيارات خفية .. كأن صيادين بارعين يتقدمون نحونا ويسوروننا بشباكهم , يتحركون في الظلام بحذق وبخطى مدروسة ... يتحركون في كل اتجاه وعلى كل صعيد , وفي نفوسنا يتحول الغضب اليومي المحدد الى انطباع شامل بأن الجو حولنا مثقل بالتواطؤ , مكهرب بخديعة ذكية مرسومة بدقة حتى ليكاد الفرد العربي يلتقطها بغريزته , ويعي الخطر في الجو عبر وجدانه قبل دماغه ... فالعدوان على الشعب العربي ليس فقط عدوانا عسكريا مصدره " اسرائيل " .. العدوان الأخطر هو عدوان المتواطئين , وبينهم من هو غافل عن حقيقة ما يفعل وعن استغلال الخطة الامبريالية الصهيونية له بطرق غير مباشرة .
وتوظيفه " حتى دون أن يقبض الثمن " لضرب القضية الوطنية , أي لضرب نفسه وأساسات بيته وطعام أولاده ...
لم يكن العدو قط أشد شراسة مما هو اليوم , والقضية الفلسطينية تمر بأخطر جولات محاولة تصفيتها وكما جلست لأكتب ينطلق داخل رأسي صوت صفارة الانذار ويملؤني بحس الخطر .
أجل ! كلما جلست لأكتب هذه الأيام ينطلق داخل راسي صوت صفارة الخطر والانذار .. وأحس أن أصابعي مكهربة وحلقي جاف بالقهر والترقب وصدري مثقل بتشاؤم غامض وكلي مسكونة بتوتر كائن بريء في الغاب يترصد به صيادون حاذقون يحركون شباكهم بحذق ...
بأي ثمن , بأية وسيلة بعنف وغضب ولو بجنون , علينا أن نقاوم كل محاولة ل " تصفيتنا " أيا اتخذت هذه التصفية من أسماء مهذبة ...
علينا ألا نخجل من اتباع الأساليب كلها للدفاع عن حياتنا وذاكرتنا وتاريخنا وأرضنا ...




بيانات الرواية
الاسم : صفارة إنذار
تأليف : غادة السمان
الناشر : منشورات غادة السمان
عدد الصفحات : 252 صفحة
الحجم : 5 ميجا بايت
تحميل رواية صفارة إنذار

تعليقات