طوق الياسمين لــ واسيني الأعرج


تكون الكتابة إن لم تهدف إلى إحداث تغيير عميق في النفوس واستفزاز العقول لكي تثير غبار الأسئلة من حولها. وها هو واسيني الأعرج بلغة صوفية مستمدة من عالم الأحلام ينفض الغبار عن عالم مختفٍ منسي، يقلب صفحات طوق الياسمين باحثاً عن أجوبة لأسئلة طالما شغلت الإنسان من الأزل مقتفياً أثر الحقيقة عله يمسك بها، مجتازاً بوابات العبور، ممتطياً الريح أو البحر إلى حيث يستطيع المرء أن يموت بدون خوف

مقتطفات من الرواية



مقدمة
سيلفيا ؟
هي هي لم تتغير كثيرا . كانت هناك واقفة على القبور المنسية مختبئة في المانطو الداكن الفضفاض وعلى أسها قبعتها السوداء وشاشا خفيفا كان يغطي وجهها بالكامل مثلما تعودت أن تفعل كل يوم جمعة منذ قرابة العشرين سنة .
لم تكن هناك من أجلي ولكنها كانت تنتظرني جورج أخوها عندما سألته عنها البارحة أخبرني بطقسها الأسبوعي وأخبرها بوجودي في هذه المدينة التي شهدت انطفاء الذين نحبهم ونصر على أن لا ننساهم رغم العزاءات الفاشلة ورغم غوايات الدنيا .
مريم ؟
بقايا الأبجدية المستحيلة . هل تدرين ؟
طوق الياسمين بعد عشرين سنة لم أفعل شيئا مهما سوى البحث عنك أعود الى هذه المقبرة التي صارت اليوم وسط المدينة بعد امتداد العمران بشكل جنوني اليها , أقف على هذه الشاهدة الصغيرة التي كتب عليها كما اشتهيت في وصيتك :
ضيقة هي الدنيا ضيقة مراكبنا للبحر وحده سنقول كم كنا غرباء في أعراس المدينة تمنيت أن أعيش طويلا لأحبك أكثر ولكن الأقدار منحتني فرصة الشهادة قبلك لتكون أنت المطالب بحبي وبتحمل غيابي .
سيلفيا لم تتحرك كانت مثل التمثال تقف بدورها في مواجهة شاهدة عيد عشاب التي كتب عليها الاسم واللقب وتاريخ الوفاة وهذه الجملة بخط بارز :
عاش ما كسب ... مات ما خلى
كل صباح يوم جمعة تأتي سيلفيا الى هذا المكان بعد أن تترك كل شيء وراءها أبنيها وأمها المقعدة تقف قليلا على قبر مريم وسارة الذي زينته بالنرجس وشجيرات الياسمين لتقضي بعد ذلك بقية وقت الزيارة وهي تدور حول قبر عيد عشاب الذي ينام وسط محيط صغير يملأ نوار الدفلى الأحمر والأبيض والبنفسجي وتنظفه مع حارس المقبرة من الأعشاب الضارة .
القبور أيضا تموت بالنسيان وتمضي صبيحة يوم الأحد على قبر والدها تقوم بنفس الشيء , هذا الصباح جاءت قبل الوقت المعتاد بقليل قامت بطقوسها لتقف أخيرا عند قبر عيد عشاب اللباس الأسود أعطى لبياض بشرتها حضورا كبيرا .
السنوات لم تفعل الشيء الكثير فيها على الرغم من أن الدنيا تغيرت كثيرا .
لم تندهش عندما وضعت مذكرات عيد عشاب بين يديها قبلتها مثل الذي يلثم كتابا مقدسا ثم وضعتها على صدرها وضمتها بقوة قلت .
أنت أولى بها مني ضعيها في عينيك .
تمتمت :
تأخرت ؟ لماذا تأخرت كل هذا الوقت ؟ كنت أعرف أنك ستأتي يوما وستمنحني هذه السعادة الكبيرة منذ عشرين سنة وأنا آتي الى مدن الأموات أعاتب والدي يوم الأحد في المقبرة المسيحية على حماقاته القاتلة ويوم الجمعة أبكي قليلا على سارة التي لم تر شيئا من الدنيا سوى أمها فقد كانت الوحيدة التي تعرف سر أنينها ثم أقف على مريم التي خادعتنا وذهبت بسرعة وتركنا مذهولين قبل أن أنزلق نحو قبر عيد عشاب لأقضي بقية الصبيحة بجواره أزيل عنه برودة العزلة وبين والدي في العالم الآخر ؟ هل يلتقيان بعد أن أحتضنتهما نفس التربة التي رفضاها في الحياة ؟ هل يتكلمان مع بعض ؟ ماذا يقولان ؟ أعرف أن قلب عيد هش ويمكن أن يتسامح ولكني أعرف أيضا أن والدي صعب جدا وقاس ولكنه لا يستطيع أن يشيح بوجهه مدة عشرين سنة وأكثر .
نظرت سيلفيا قليلا الى المذكرات فتحتها بعفوية في آخر صفحة متجاوزة كل البياضات تحسست الكلمات كمن يلمس أجنحة وألوان فراشة

بيانات الرواية



الاسم : طوق الياسمين
تأليف : واسيني الأعرج
الناشر : دار الآداب للنشر والتوزيع
عدد الصفحات : 320 صفحة
الحجم : 3 ميجا بايت

تحميل رواية طوق الياسمين

تعليقات