انها مجموعة قصصية خرجت للنور سنة 1973 ولكن القضايا التى تناولتها(هزيمة الوطن, فساد البعض وجهل البعض,ازدواجية المجتمع..) لازالت متجدده لذلك ادعو إلى اعادة قراءتها لأنه نضال بالكلمة سيعيش طويلا لأنه بات فى حضن الابدع
مقتطفات من الرواية
مقدمة
رجل آخر , يوم آخر , فندق آخر , مدينة أخرى وأنا في رحلة تخدير جديدة وفي كل مرة ألملم أشلائي وأستقل الطائرة بفرح وترقب مدمن يعد ابرة المورفين ليغرسها في عروقه .
أعبئ ابرة " مورفيني " بالمدن النائية , بوجوه الغرباء الراكضة في شوارع ماطرة لم أرها من قبل , أصوات اقلاع الطائرات الى بلاد بعيدة مشمسة في استراحات المطارات عند الفجر المغبر , وأمامي صحف الصباح بلغة لا أفهمها !
الرقص المجنون في الحانات المضمخة بروائح الخمرة والدخان .
الانسلال الى غرف الفنادق الفخمة والوضيعة في ليالي الوحشة مع رجال لا وقت لدي لحفظ أسمائهم وتدوينها في مفكرتي " لذا أكتفي بوضع خط لكل رجل في صفحة مفكرتي كتلك الخطوط التي يحفرها السجناء بأظافرهم على جدران زنزاناتهم ليعوا , ولو وعيا مبهما , توالي الأيام وقلما وضعت الى جانب الخط نجمة أو نجمتين لا تذكر رجلا نادرا , بلا حوار ليس هنالك رجل نادر أو غير نادر .
هنالك فقط حيوان نادر كثيف الفرو غنية رشيق الانقضاض كالفهد سريع الحركة كمنقار طير جائع " .
بذلك كله أعبئ ابرة هربي وأغرسها في عروقي – كلما جن في أحشائي عذاب الصحو – لا هرب ولا نسى ... أنسى .. أنسى .. أ .. ن .. س ...ى
رجل آخر , يوم آخر , فندق آخر , وأنا مرمية في بهوه أمام جدار زجاجي كبير يفصلني عن الشارع حيث تمطر وتطفو المرئيات خلفه فوق برك الماء والضباب وظلال الصبح الرمادي زائغة وغير حقيقية ... مثل حلم رمادي دامع من تلك الأحلام الحزينة التي تنساها فور يقظتك وتستيقظ منها دائما ودموع مجهولة الينابع تغطي وجهك , واحساس مرير برحيل الأشياء الجميلة وانزلاقها السريع فوق برك الوعي يتأكلك ...
" جرسون " آخر , يخاطبني بلغة ألمانية النبرة لا أفهمها يسألني بالانكليزية : ماذا أريد طعاما للفطور فأتظاهر بأني لم أفهم يجرب الفرنسية وأصر على التجاهل . الاسبانية , الايطالية أظل مصرة على عدم الفهم , لو جرب لغات العالم كلها التي أعرفها والتي أجهلها لظللت أرمقه كطفل لم يتعلم الكلام بعد .
اني أصر على التفاهم معه ومع سواه بلغة الاشارة , لغة العصور الحجرية لغة ما قبل اختراع اللغة والكذب والزيف , تروق لي اللعبة وأمارسها منذ خمسة أيام منذ وصلت الى فيينا بل اني اخترت المجيء الى فيينا بالذات لأني لا أعرف لغة أهلها ...
واخترت المجيء اليها مع " جورجي " لأنه أخرس ! انه عشيقي المفضل منذ أعوام لأنه أخرس ... حتى حينما يخاطبني بعض أهلها بلغة أعرفها أتظاهر بالتجاهل تماما وأصر على العودة الى عصور ما قبل اللغة .
" يوم علمني والدي السفير ست لغات , لم يكن يدري أن ذلك سوف يزيد في مرارتي حين أعي فجأة أني أتكلم لغات ستة شعوب وأعجز عن التفاهم الكامل مع انسان واحد فقط ... ويوم أورثني أمواله لم يكن يدري أني سأنفقها راكضة بين أقطار الأرض مع عشيق أخرس بحثا عن اقوام نسي أن يعلمني لغتهم ولا أعرف كلامهم ولن يحاولوا بالتالي مد جسر الألغام بيننا ... جسر اللغة الذي لم يقدم أحد على لغمه العلي كما يفعل حكام بلادي أكثرهم يمارس ذلك بنية طيبة وقليلهم بتواطؤ خائن وجميعهم مؤذ , وأنا ... يا لرعبي ! كنت طيلة عملي في اذاعة ذلك البلد العربي من بعض تلك الأداة ... ولأني كنت من بعض حنجرة تلك الأداة قتلت أخي , وقتلت أيضا الآلاف الذين أجهل أسماءهم ولم أع ذلك الا يوم اكتشفت كيف قتلت أخي ... يا لفظاعة ذلك كله ! تحالف علي طموحي , وكبي الأنثوي التاريخي والخبث السياسي لرؤسائي .
بيانات الرواية
الاسم : رحيل المرافئ القديمة
تأليف : غادة السمان
الناشر : منشورات غادة السمان
عدد الصفحات : 83 صفحة
الحجم : 2 ميجا بايت
تحميل رواية رحيل المرافئ القديمة
مقتطفات من الرواية
مقدمة
رجل آخر , يوم آخر , فندق آخر , مدينة أخرى وأنا في رحلة تخدير جديدة وفي كل مرة ألملم أشلائي وأستقل الطائرة بفرح وترقب مدمن يعد ابرة المورفين ليغرسها في عروقه .
الرقص المجنون في الحانات المضمخة بروائح الخمرة والدخان .
الانسلال الى غرف الفنادق الفخمة والوضيعة في ليالي الوحشة مع رجال لا وقت لدي لحفظ أسمائهم وتدوينها في مفكرتي " لذا أكتفي بوضع خط لكل رجل في صفحة مفكرتي كتلك الخطوط التي يحفرها السجناء بأظافرهم على جدران زنزاناتهم ليعوا , ولو وعيا مبهما , توالي الأيام وقلما وضعت الى جانب الخط نجمة أو نجمتين لا تذكر رجلا نادرا , بلا حوار ليس هنالك رجل نادر أو غير نادر .
هنالك فقط حيوان نادر كثيف الفرو غنية رشيق الانقضاض كالفهد سريع الحركة كمنقار طير جائع " .
بذلك كله أعبئ ابرة هربي وأغرسها في عروقي – كلما جن في أحشائي عذاب الصحو – لا هرب ولا نسى ... أنسى .. أنسى .. أ .. ن .. س ...ى
رجل آخر , يوم آخر , فندق آخر , وأنا مرمية في بهوه أمام جدار زجاجي كبير يفصلني عن الشارع حيث تمطر وتطفو المرئيات خلفه فوق برك الماء والضباب وظلال الصبح الرمادي زائغة وغير حقيقية ... مثل حلم رمادي دامع من تلك الأحلام الحزينة التي تنساها فور يقظتك وتستيقظ منها دائما ودموع مجهولة الينابع تغطي وجهك , واحساس مرير برحيل الأشياء الجميلة وانزلاقها السريع فوق برك الوعي يتأكلك ...
" جرسون " آخر , يخاطبني بلغة ألمانية النبرة لا أفهمها يسألني بالانكليزية : ماذا أريد طعاما للفطور فأتظاهر بأني لم أفهم يجرب الفرنسية وأصر على التجاهل . الاسبانية , الايطالية أظل مصرة على عدم الفهم , لو جرب لغات العالم كلها التي أعرفها والتي أجهلها لظللت أرمقه كطفل لم يتعلم الكلام بعد .
اني أصر على التفاهم معه ومع سواه بلغة الاشارة , لغة العصور الحجرية لغة ما قبل اختراع اللغة والكذب والزيف , تروق لي اللعبة وأمارسها منذ خمسة أيام منذ وصلت الى فيينا بل اني اخترت المجيء الى فيينا بالذات لأني لا أعرف لغة أهلها ...
واخترت المجيء اليها مع " جورجي " لأنه أخرس ! انه عشيقي المفضل منذ أعوام لأنه أخرس ... حتى حينما يخاطبني بعض أهلها بلغة أعرفها أتظاهر بالتجاهل تماما وأصر على العودة الى عصور ما قبل اللغة .
" يوم علمني والدي السفير ست لغات , لم يكن يدري أن ذلك سوف يزيد في مرارتي حين أعي فجأة أني أتكلم لغات ستة شعوب وأعجز عن التفاهم الكامل مع انسان واحد فقط ... ويوم أورثني أمواله لم يكن يدري أني سأنفقها راكضة بين أقطار الأرض مع عشيق أخرس بحثا عن اقوام نسي أن يعلمني لغتهم ولا أعرف كلامهم ولن يحاولوا بالتالي مد جسر الألغام بيننا ... جسر اللغة الذي لم يقدم أحد على لغمه العلي كما يفعل حكام بلادي أكثرهم يمارس ذلك بنية طيبة وقليلهم بتواطؤ خائن وجميعهم مؤذ , وأنا ... يا لرعبي ! كنت طيلة عملي في اذاعة ذلك البلد العربي من بعض تلك الأداة ... ولأني كنت من بعض حنجرة تلك الأداة قتلت أخي , وقتلت أيضا الآلاف الذين أجهل أسماءهم ولم أع ذلك الا يوم اكتشفت كيف قتلت أخي ... يا لفظاعة ذلك كله ! تحالف علي طموحي , وكبي الأنثوي التاريخي والخبث السياسي لرؤسائي .
الاسم : رحيل المرافئ القديمة
تأليف : غادة السمان
الناشر : منشورات غادة السمان
عدد الصفحات : 83 صفحة
الحجم : 2 ميجا بايت
تحميل رواية رحيل المرافئ القديمة
تعليقات
إرسال تعليق