"وفي نظري، الفارق ليس كبيراً حقاً بين كتابة القصص وتحضير الأرواح، لكنني لم أشعر يوماً بالرغبة في النشر وظللت أكتب قصصي بصمت داخل رأسي كالأشباح، وصرت أول كاتبة أشباح عربية، فالذين أكتب لهم يطالعونني حتى لو لم تنشر كتبي، إنهم ببساطة يقرأون بالتخاطر كل ما لا أكتبه على ورق!".
مقتطفات من الرواية
مقدمة
قطع رأس القط
" عروس نادرة يا ابني , لها فم يأكل وليس لها فم يحكي , ما قبل فمها غير أمها . لا تغادر البيت دونما استئذانك الا الى قبرها , لا تلد الا الصبيان , خادمة في النهار وجارية في الليل خاتم في اصبعك تديره كما تشاء وتخلعه حين تشاء واذا فركته قال لك شبيك لبيك عبدتك بين يديك "
كان " أبدول " ينصت وهو يكاد لا يصدق أن ذلك يحدث له حقا , في قلب حي " تروكاديرو " الباريسي قبل ستة أعوام من سنة 2000 ! ولكن ها هي السيدة الغامضة جالسة أمامه ممتلئة الوجه خمسينية وق انزلقت من تحت خمارها الأسود الذي أزاحته خصل محمرة مصبوغة بالحناء كما كانت تفعل عجائز أسرته في بيروت حين كان طفلا ..
لهما غمازتان طريفتان وتتقن فن رفع الكلفة منذ اللقاء الأول كما كان يحدث في وطنه الأم لبنان , " ما الذي جعل هذه الخاطبة تعرض خدماتها اليوم بالذات حين اتخذت أخيرا قرار طلب الزواج من نادين في هذه الأمسية نفسها ؟ "
تتابع السيدة الغامضة : " يا ابني يا عبد الرزاق .. عروس عندها الله في السماء وأنت في الأرض .
بوسعك أن تتزوج امرأة ثانية وثالثة ورابعة عليها وتعيش راضية مع ضراتها , بل وتذهب لتخطب لك العروس الثانية بنفسها اذا لم تنجب أطفالا , ولكن من المهم أن تقطع رأس القط على عتبة البيت ليلة العرس , أمام عينيها فتفهم أن مصيرها كمصيره اذا لم تطعك ! "
بدا الأمر لأبدول طريفا لو لم تلفظ السيدة اسمه الأصلي : عبد الرزاق . معارفه جميعا في باريس ينادونه " عبدول " ويلفظونها " أبدول " اذن فالسيدة الغامضة صديقة لأمه حقا ما دامت تعرف اسمه الأصلي " كنت أرتدي ثيابي وأستعد للخروج حين رن جرس الباب , تعجبت فقد كنت أظنه معطلا وقد سمعت والدي يهتف للكهربائي كي يمر بنا لاصلاحه .
فتحت الباب , شاهدتها يتدفق الضوء من خلفها واقفة كعمود من السواد والدخان في معطفها الأسود الذي يغطيها كالعباءة متصلا مع سواد خمار عقصته على شعرها مائلا كما في الصور البيروتية القديمة .
سألتني عن أمي بالعربية فقلت لها أنها ذهبت لشراء بعض الحاجيات برفقة والدي وسألتها هل هي على موعد معها .
أجابت ضاحكة : ومنذ متى أنا بحاجة الى موعد مع أمك يا بني ؟
قدرت أنها قد تكون صديقة قديمة لها , ربما لا أعرفها لأنها لم تزر باريس من قبل ولعلي شاهدتها في بيروت فوجهها مألوف ولكنني بالتأكيد لم أرها منذ عشرة أعوام على الأقل أي منذ اقامتنا هنا بعدما غادرنا بيروت .
أضافت : " يا حبيبي كم كبرت , كدت لا أعرفك " .
شيء ما في نظرتها أمرني بأن أدعوها الى الدخول , شيء ما في حضورها جعلني أبادلها رفع الكلفة على غير عادتي .
اعتذرت عن الغبار الذي يغطي أرض المدخل , فالنجار الذي مر على حين غرة قبل قليل لتعليق المرآة الجديدة للمدخل ترك وراءه غبار حفارة الجدار كما ترك مربعا من الزجاج كان من المفترض أن يستبدل به الزجاج المكسور في نافذة الحمام الصغيرة لو لم ينس أدواته ويعد بالعودة في اليوم التالي بعدما مدده على أرض المدخل .
وحين جلست على المقعد الوثير خبرتها عن الزيارات الدورية لأمي وأبي الى بسطات الخضار الشعبية في بعض الأحياء حيث هما الآن وقلت لها : كمعظم المغتربين نحن نمارس هنا لبنانيتنا مطبخيا وفولكلوريا .
بيانات الرواية
الاسم : القمر المربع
تأليف : غادة السمان
عدد الصفحات : 228 صفحة
الحجم : 6 ميجا بايت
تحميل رواية القمر المربع
مقتطفات من الرواية
مقدمة
" عروس نادرة يا ابني , لها فم يأكل وليس لها فم يحكي , ما قبل فمها غير أمها . لا تغادر البيت دونما استئذانك الا الى قبرها , لا تلد الا الصبيان , خادمة في النهار وجارية في الليل خاتم في اصبعك تديره كما تشاء وتخلعه حين تشاء واذا فركته قال لك شبيك لبيك عبدتك بين يديك "
كان " أبدول " ينصت وهو يكاد لا يصدق أن ذلك يحدث له حقا , في قلب حي " تروكاديرو " الباريسي قبل ستة أعوام من سنة 2000 ! ولكن ها هي السيدة الغامضة جالسة أمامه ممتلئة الوجه خمسينية وق انزلقت من تحت خمارها الأسود الذي أزاحته خصل محمرة مصبوغة بالحناء كما كانت تفعل عجائز أسرته في بيروت حين كان طفلا ..
لهما غمازتان طريفتان وتتقن فن رفع الكلفة منذ اللقاء الأول كما كان يحدث في وطنه الأم لبنان , " ما الذي جعل هذه الخاطبة تعرض خدماتها اليوم بالذات حين اتخذت أخيرا قرار طلب الزواج من نادين في هذه الأمسية نفسها ؟ "

بوسعك أن تتزوج امرأة ثانية وثالثة ورابعة عليها وتعيش راضية مع ضراتها , بل وتذهب لتخطب لك العروس الثانية بنفسها اذا لم تنجب أطفالا , ولكن من المهم أن تقطع رأس القط على عتبة البيت ليلة العرس , أمام عينيها فتفهم أن مصيرها كمصيره اذا لم تطعك ! "
بدا الأمر لأبدول طريفا لو لم تلفظ السيدة اسمه الأصلي : عبد الرزاق . معارفه جميعا في باريس ينادونه " عبدول " ويلفظونها " أبدول " اذن فالسيدة الغامضة صديقة لأمه حقا ما دامت تعرف اسمه الأصلي " كنت أرتدي ثيابي وأستعد للخروج حين رن جرس الباب , تعجبت فقد كنت أظنه معطلا وقد سمعت والدي يهتف للكهربائي كي يمر بنا لاصلاحه .
فتحت الباب , شاهدتها يتدفق الضوء من خلفها واقفة كعمود من السواد والدخان في معطفها الأسود الذي يغطيها كالعباءة متصلا مع سواد خمار عقصته على شعرها مائلا كما في الصور البيروتية القديمة .
سألتني عن أمي بالعربية فقلت لها أنها ذهبت لشراء بعض الحاجيات برفقة والدي وسألتها هل هي على موعد معها .
أجابت ضاحكة : ومنذ متى أنا بحاجة الى موعد مع أمك يا بني ؟
قدرت أنها قد تكون صديقة قديمة لها , ربما لا أعرفها لأنها لم تزر باريس من قبل ولعلي شاهدتها في بيروت فوجهها مألوف ولكنني بالتأكيد لم أرها منذ عشرة أعوام على الأقل أي منذ اقامتنا هنا بعدما غادرنا بيروت .
أضافت : " يا حبيبي كم كبرت , كدت لا أعرفك " .
شيء ما في نظرتها أمرني بأن أدعوها الى الدخول , شيء ما في حضورها جعلني أبادلها رفع الكلفة على غير عادتي .
اعتذرت عن الغبار الذي يغطي أرض المدخل , فالنجار الذي مر على حين غرة قبل قليل لتعليق المرآة الجديدة للمدخل ترك وراءه غبار حفارة الجدار كما ترك مربعا من الزجاج كان من المفترض أن يستبدل به الزجاج المكسور في نافذة الحمام الصغيرة لو لم ينس أدواته ويعد بالعودة في اليوم التالي بعدما مدده على أرض المدخل .
وحين جلست على المقعد الوثير خبرتها عن الزيارات الدورية لأمي وأبي الى بسطات الخضار الشعبية في بعض الأحياء حيث هما الآن وقلت لها : كمعظم المغتربين نحن نمارس هنا لبنانيتنا مطبخيا وفولكلوريا .
الاسم : القمر المربع
تأليف : غادة السمان
عدد الصفحات : 228 صفحة
الحجم : 6 ميجا بايت
تحميل رواية القمر المربع
تعليقات
إرسال تعليق