هدنة الـ72 ساعة التي راجت بين المقاومة الفلسطينية وقوات الاحتلال الإسرائيلي في الآونة الأخيرة في العدوان على قطاع غزة، والتي تلاها هدنة 120 ساعة ثم هدنة 24 ساعة توقع الفلسطينيون بعدها اتفافًا يحقق نصرًا لما قدمه من تضحيات وإنجازات تلبي حقوقه الإنسانية.
فالمقاومة الفلسطينية صنعت نقطة تحول في استراتيجية القتال مع قوات جيش الاحتلال، قلبت فيها كل حساباته وموازينه، مثخنًا الخسائر الجسيمة في صفوف جنده وآلاته العسكرية.
لكن بعد الجو التفاؤلي الذي ساد يوم الإثنين بعد توارد الأخبار باتفاق يحقق مطالب الشعب الفلسطيني في غزة لما حدث هذا التحول الدراماتيكي بفشل الجهود ثم تلاها سحب للوفد الإسرائيلي ومن ثم قصف لبيت عائلة الدلو قبل انتهاء مدة الهدنة الأخيرة، والتي ظهر بعدها محاولة لاغتيال القائد العام لكتائب القسام محمد الضيف؟ فهل كان الاحتلال يستغل تلك الهدن بحثًا عن هدفٍ تعيد له هيبة جيشه ويعيد لنتنياهو بياض الوجه لشعبه بعد تكبد جيشه الخسائر الفادحة على حدود غزة؟
الدكتور موسى أبو مرزوق، نائب رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، قال بالأمس عبر حسابه الشخصي على فيس بوك: "في خطوة غير متوقعة "إسرائيل" تعلن سقوط ثلاث صواريخ عليها، نتنياهو يعلن: وقف التفاوض، وسحب الوفد، وإنهاء التهدئة، وسط حيرة الجميع.. ﻻ ندري لهذه الخطوات من سبب، ولم نلبث طويلاً حتى جاءت الأخبار، ليس هناك من صواريخ انطلقت من قطاع غزة، لكنها ذريعة لاستهداف شخصية كبيرة من حماس، فتم سحب الوفد، وإلغاء التهدئة، وكانت الجريمة الجديدة في بيت آل الدلو واستشهدت فيها زوجة القائد الكبير أبو خالد محمد الضيف وابنته، رحمهما الله رحمة واسعة وإنا لله وإنا إليه راجعون.
حماقة نتنياهو أضافت لسجله جريمة جديدة في استهداف المدنيين، وانتهاك العهود والاتفاقيات، والخيبة الاستخبارية الجديدة، وأخيرًا التأكيد على أنه لا يعرف للصدق مكانًا".
هدنة الـ72 هذه عرضت في يومٍ من الأيام على سيف الله المسلول خالد بن الوليد في معركة اليرموك من قبل جيش الروم الذي كان قوامه 240 ألف مقاتل بينما كان قوام جيش المسلمين 36 ألفًا فقط، والتي اتخذ فيها خالد بن الوليد استراتيجية الدفاع.
فما القرار الذي اتخذه خالد ازاء الـ72 ساعة على إثرها حقق انتصارًا مؤزرًا أدت إلى تخليص فلسطين من الروم وفتح بلاد الشام؟ والذي كان الفتح الإسلامي فيها عبارة عن سلسلة من العمليات العسكرية المخططة بعناية والمنسقة جيدًا والتي استخدمت "الاستراتيجية" بدلاً من القوة المجردة للتعامل مع مقاييس الدفاع البيزنطية.
فمعركة اليرموك التي دامت ستة أيام، كان المسلمون فيها يردون هجمات الروم في كل يوم، حيث كان خالد بن الوليد يستخدم "سرية الخيالة المتحركة السريعة" التي يقودها بنفسه ليتحرك بسرعة خاطفة من مكان إلى آخر؛ حيث يكون جيش المسلمين في تراجع تحت ضغط الروم، ويعود كل من الجانبين في نهاية النهار إلى صفوفه الأولية قبل القتال أو إلى معسكراته.
وجرى الأمر كذلك خلال الأربعة أيام الأولى كانت فيها خسائر الروم بالأعداد أكبر من خسائر جيش المسلمين، وفي اليوم الخامس لم يحدث الشيء الكثير بعد رفض خالد "هدنة ثلاثة أيام" أي 72 ساعة التي عرضها الروم بقوله المشهور لرسول الروم: "نحن مستعجلون لإنهاء عملنا هذا"
ففي اليوم السادس من معركة اليرموك تحولت استراتيجية خالد من الدفاع إلى الهجوم، وتمكن بعبقريته الفذة من شن الهجوم المجازف على الروم واستخدام الأسلوب العسكري الفريد من نوعه آنذاك وهو الاستفادة الصحيحة من إمكانيات "سرية الفرسان سريعة التنقل" ليحول الهزيمة الموشكة للمسلمين إلى نصر مؤزر لهم.
يمكن النظر إلى معركة اليرموك كمثال في التاريخ العسكري عندما تستطيع قوة عسكرية صغيرة تحت قيادة حكيمة التغلب على قوة عسكرية تفوقها عددًا لقد سمح قادة الجيش الإمبراطوري لعدوهم باختيار أرض المعركة التي يريدها.
وحتى ذلك الحين لم يكن لديهم ضعف تكتيكي كبير.. لقد عرف خالد بن الوليد منذ البداية بأنه أمام قوة كبيرة جدًا وحتى اليوم الأخير من المعركة أدار خطة دفاعية فعالة ملائمة لمصادره المحدودة نسبيًا.
وعندما قرر الهجوم في اليوم الأخير من المعركة، فقد قام بذلك على درجة من التخيل وبعد النظر والشجاعة، الأمر الذي لم يتصوره أي من القادة البيزنطيين. وبالرغم من أنه قاد قوة صغيرة عددًا وكان بأمس الحاجة إلى كل الرجال الذين يمكن جمعهم، كانت لديه الجرأة وبعد النظر لشطر فرقة من خيالته في الليلة التي سبقت هجومه لتأمين الطريق الحيوي لانسحاب عدوه.
تعليقات
إرسال تعليق