مديح الكراهية لـ خالد خليفة

تقتحم هذه الرواية حقبةً من تاريخ سوريا وتعيد طرح الأسئلة الحارقة عن الصراع بين الأصوليين والسلطة- وهي حقبة كادت تقضي بها ثقافة الكراهية على الأخضر واليابس.

مقتطفات من الرواية

رائحة الخزانة العتيقة جعلت مني امرأة مهووسة بإغلاق الابواب و التنقيب في الدروج بحثا عن صور قديمة رتبتها بعناية فائقة ذات يوم صورة امي تهز شجرة الليمون الوحيدة في ارض الحوش و انا واقفة إلى جانبها لامعة العنينين صورة ابي في لباسه العسكري حليق الذقن و حاد النظرات صورة اخي حسام مرتديا لباسه المدرسي ضاحكا يحمل اخانا الصغير همام المقمط بأقمطة زرقاء صورة لي بلباسي الطويل الأسود وجهي مدور وسط الملاءة السوداء و جسمي غائب تماما خلق الصورة لوحة باهتة لصيادين يطاردون مع كلابهم السلوقية غزالا هاربا وضعها المصور على حائط استوديو مديح الكراهية اصطحبني ابي إليه رد على أسئلة المصور بمفردات غير مفهومة اخذني المصور من يدي و اجلسني على كرسي خشبي بارد تودد إلي بلطف اشار إلى بالنظر إلى ابهامه قرب فتحة الكاميرا و قال لي (( اضحكي )) لا اعرف كيف اضحك انظر إلى ابي استأذنه ثم اعاود النظر إلى ابهام المصور الذي مازال يصر على أن اضحك فأكشر و كأنني اضحك . طقة الكاميرا و جلال تلك اللحظة مازلت اذكرهما تماما كأنني الآن خارجة من باب الاستوديو الذي تفوح منه رائحة نفتلين ثقيلة و على مشاجبه علقت بدلات بهاتة لضباط و فلاحين و قبعات مكسيكية مع لباس رعاة بقر كامل كالذي ارتداه (( ترانس هيل )) في فيلم (( مازال اسمي ترينتي )) يدي الصغيرة ضائعة في كف ابي يقبض عليها بقوة خوف ضياعي في زحام شارع التلل .
مازلت ابحث عن رائحة الخزانة العتيقة في الغرفة التي خصصتها لي خالتي الكبرى مريم بعد أن جلست مقابل ابي و اقنعته بأخذي للعيش معها و مع خالتي الوسطى صفاء ، قالت له أنهما وحيدتان بعد موت جدي و جدتي و زواج خالتي الصغرى مروة . أبي هزر رأسه موافقا املى شروطا لم اسمعها مريم وافقت و بدأت مع امي لملمة ثيابي و كتبي و أشيائي الخاصة المبعثرة في الغرفة الصغيرة التي بناها والدي في فناء الدار قرب المطبخ حين ارتفعت في صدري هضبتان صغيرتان متماسكان زادتا من ثقلي و جعلتاني اقل كلاما .
في منزل جدي فرحت بالغرفة العالية السقف بمواعيد الطعام الصارمة و الزيارات الدورية إلى الحمام مساء كل خميس و إلى بيت الحجة رضية مساء كل يوم جمعة كطقس لم افهم ضرورته أول الأمر ازعجني اصوات المرددات النشاز وراء الحجة رضية و اثرن اعصابي كدت اختنق من الغرفة المزدحمة لم اجرؤ على الهرب . في الزيارات التالية تمكنت روائح العرق المختلطة بعطر النساء من جذبي إلى الاسترخاء كأنثى يهيج الانشاد رغباتها .
في السنة الاولى لاقامتي في المنزل الكبير اربكتني المساحات الهائلة جعلتني شبه ضائعة بين الادراج الكبيرة و درابزين الحجر و الحديد ، الغرف الواسعة العالية المزخرفة السقوف ملونة بدقة فنان سمرقندي التقطه جدي من سمرقند اثناء احدى سفرياته للبحث عن السجاد العجمي ، خصصت جدتي المربع العلوي لاقامته التي استمرت ستة اشهر متواصلة كان خلالها يستيقظ في الخامسة صباحا يتوضأ مع جدي و يخرجان إلى الجامع الاموي بعد تناولهما لطعام الافطار الذي تعده جدتي قبل نهوضها و تضعه على الطاولة الواطئة قرب البركة الكبيرة .

بيانات الرواية




الاسم : مديح الكراهية
المؤلف : خالد خليفة
الناشر : دار الآداب – بيروت
عدد الصفحات : 392
الحجم : 5 ميجا
شراء النسخة الورقية : من هنا
تحميل رواية مديح الكراهية

تعليقات