سولو لــ ماجد الجارد

تجسد هذه الرواية ألم الحرمان من الذرية، من حلم البقاء بعد الرحيل المكتوب على كل الأحياء... وتصور وخز الفقد ومحاصرة الذكرى والبقاء وحيداً في مهب كل شيء والانتظار الذي يأكل العمر... كما أنها تحمل وجعاً يتسرب من الكلمات إلى الروح.

مقتطف من الرواية

أطراف المساء تتسلل خلف الستائر الخاشعة وأصابع الظل تغتصب صمت النوافذ يتناثر في المكان بضعة مقاعد خالية من جالسيها وتتبخر أطياف وجوه كانت تتردد هنا , يؤرجحني صمت البيت ومخالب شتائي تخدش وجه السماء وتدمي الذاكرة زخات حزني تهطل على الأثاث الساكن , أستقر على مقعدي الهزاز أمامي ساعة خشبية مثبتة على الحائط بندولها المتدلي يؤرجح عصفورها الذي ينقر الخواء .
سولو يا سارة قد غادر جسدك وبقيت روحك هنا في المكان كأني أراها تدفع الباب الموارب ببطء وحذر ترقبني من طرف خفي أشعر بها تخف أمامي الى مطبخك تقف الى جانبي أعد عشائي على عجل تسحب الكرسي لتقاسمني خبزا باردا وشريحة جبن تمد لي كأس ماء وحين نظفت أسناني رأيت روحك تقاسمني المرآة العاكسة لوجهي الذي يتقاطر منه رغوة صابون ناصع البياض .
أحقا أصبحت جسدا ممدا بلا روح وأنك لم تطيقي البعاد فأرسلتها لتروي ظمأك وتحدثك عن خبري ومآلي ؟!
آه ... بم ستعود ؟! وما ستنبئك عني !
دخلت غرفة نومك استنشقت رفات عطرك الأثير الذي تضعينه على صدرك الناهد وكأنك تعلمين أنها طلقات صوبها قناص ثم ترك ضحيته تتضرج بدمائها .
آه ...الآن أدركت لماذا كنت تعطرين جسدك بانفعال كلما قررت الخروج ! لعلك تريدين أن تستقبلني رائحتك حين يتعذر وجودك , هوسك بأن تتملكيني ظل حاضرا حتى بعد مماتك , دوما تحيطينني بتفاصيلك كأنك تعلمين أنك راحلة قبلي , والآن وأنت تنعمين في عالمك الآخر هذه هي روحك تعيش معي تفاصيل ليلتي الأولى تراقب جسدي تدب به الحياة ولا يخفق لها .
ها أنا أرفع قنينة عطرك أكبس على رأسها فيتدفق الرذاذ الشفيف لامعا تحت ضوء الأبجورة يهبط متباطئا على يدي ويلتصق بمرآة التسريحة العريضة باعثا فيها ملامح طيفك العائد من العدم ثم ضغطة ثانية وثالثة ورابعة .
أطوف حول السرير منتحبا جاحظ العينين مشرع الذراعين أحتضن أول ليلة وجعا أرفع القنينة الباكية عاليا وأهزها .. أهزها والدمع يسيل مني ومنها يتساقط وأسقط ضباب حزني يتكثف غيوما تتراكم لها مذاقات مالحة وهزيم الرعد بين أضلعي يمزق صمت الحجرة وينابيع المآقي تتفجر طوفانا يجتاح الى أودية وجنتي وخدي وروحي دموع العطر تنهمر على الأرض بين تموجات الستارة رذاذ ينهار معي على الأريكة الطويلة وبضع دفقات باكيات فوق السرير وكثير منها على وسادتك .
كيف لامرأة تترك خلفها طيفها مضمخا بعطرها ورائحة حنينها فوق سرير الغياب ؟!
أفتح جفني ببطء وتثاقل خدي تحول الى قاع واد اكتسحه سيل دمع كان يهدر طوال الليل قنينة عطرك ملقاة ورأسها المعطوب يتدلى منها ... الستارة مشرعة بأذيالها المنهكة فقد كابدت ريحا عصفت طوال الليل .
أحتضن ملاءتك وأفترش قطعة من قميصك أمهد وسادتي منشفتك ...اني جثة نورس مطروحة فوق شطآن غيابك , يغمرني موجك المبحوح بتتابع عنيف ممدا تحت شمسك مستقبلا ثاني أيام رحيلك وقد جف الدمع في عيني وانحسر ماء الحياة عن شواطئي .
تتحرك أوصالي متثاقلة تنبش السرير الهش كسلحفاة صغيرة تحاول التخلص من بيضتها المدفونة تحت الرمل , ها أنا أتعثر بضعفي أمام طغيان رائحتك التي تركتها وديعة بين أصابعي وسطوة غيابك بكل تفاصيل حضورك تصميم ديكور الغرفة ألوان الملاءات , والحائط وأركانها التي تجلس فيها دماك الأنيقة .

بيانات الرواية

الأسم: سولو
المؤلف: ماجد الجارد
الناشر: مؤسسة الانتشار العربي
عدد الصفحات: 162
الحجم: 2 ميغا بايت

تحميل رواية سولو


تعليقات