البستان لـ محمد المخزنجي


محمد المخزنجي رائع وبسيط ومبدع ومثقف جداً وساحر في الوصف و تلك المجموعة قام بتقسيمها لـ 3 أقسام " فيزيقيات _ سيكولوجيات _ بارا سيكولوجيات

مفتطفات من الرواية

على أطراف أصابع الأقدام
تسللت يده المضمومة خارجة من الشراعة اليمنى للباب الموصود لتلقى يدها الآتية من الشراعة اليسرى وارتبكت اليدان وهما تتعاونان معا في وضع القفل على الباب من الخارج ثم أسرعتا بالفرار , انغلقت ضلفتا الزجاج المصنفر بسرعة وبسرعة تقهقهر الى الداخل ومضيا يتساحبان .
كانا يمشيان على أطراف أصابع أقدامهما العارية هو في الأمام وهي وراءه ...تتقدم فتجاوره وتتأخر فتردفه لكنه يبدو متقدما دوما وهما يمران في شبه ظلمة يتأكدان من احكام اغلاق كل منافذ الشقة الصغيرة الغرفة الوحيدة والحمام والمطبخ ولم يعد أمامهما غير الصالة التي تتناثر فيها كراسي " الأنتريه " والتي تطل على الشارع بنافذة وشرفة .
البستان كان باب الشرفة تام الايصاد ...الشيش مغلق وضلفتا الزجاج كذلك لكن النافذة في الجوار لم يكن لها شيش اذ هي من الزجاج المؤطر بالألمنيوم ... مغلقة وتنسدل عليها ستارة بجناحين من الدانتيلا السماوية يعبرها النور خفيفا وضاربا الى الزرقة .
وقفا بقرب النافذة متواجهين في غمرة النور السماوي وكانا صغيرين يجمع بينهما جمال أليف .. هو في بيجامة فاتحة وهي في قميص نوم من " البراش " الأبيض لا يكادان يختلفان عن شكليهما في صورة زفافهما الحديثة التي تظهر خلفهما معلقة على الجدار في امتداد النور .
مكثا برهة يترامقان حائرين خائفين ثم ... وكأنهما يتبادلان أفكارهما بالتخاطر مالا معا على النافذة وباعدا جزءا صغيرا صغيرا بحذر بين أخمص جنحي الستارة وشرعا يطلان .
كان الميدان مشمسا والظلال تطؤها الأقدام وفي الوسط كان ثمة رجال كثار بلحى كثيفة وأغطية رؤوس بيضاء وملابس بلون الكتان أو الدمور على هيئة قمصان طويلة فضفاضة وسراويل واسعة كميشة تظهر أرجلهم حتى أعالي الأرساغ .. كانوا يعملون بمناشير كهربائية ضخمة بشكل صوان دوارة في تمثال المرأة الممتطية جوادا يبدو منطلقا بها في عكس اتجاه الريح .
كان الجواد قد قطعت رأسه وكذلك رأس المرأة ولاح مكان النهدين المقطوعين فارغا ومظلما وكانوا يعملون هناك عند أذرعها وعند ذيل الحصان الذي أوشكوا على فصله .بدت الحركة عند أطراف الميدان هادئة نوعا قليل من السيارات والمشاة نسوة مختفيات تماما في ملابس داكنة ضافية ورجال يخبون بسرعة وتجهم .
وفي الأركان راح يمشي جيئة وذهابا رجال ضخام الجثث بلحى مرسلة وجلاليب وشملات رؤوس بيضاء كانوا يتمنطقون بأحزمة جلدية عريضة تتدلى منها خناجر معقوقة وسيوف مبيتة في أغمادها وكانت الخناجر والسيوف تتأرجح على ايقاع خطوهم المتثاقل .
تراجعا هو وهي عن النافذة ومدا أيديهما يحكمان التقاء جناحي ستارتها ووقفا متواجهين جامدين للحظة , وارتمى كل منهما في حضن الآخر ثم انهما استدارا الى الداخل ومشيا باتجاه الغرفة .. مرة أخرى على أطراف أصابع الأقدام وان كان يضمها الى جنبه هذا المرة .
في الغرفة كانت العتمة , زادها اعتاما أنهما أغلقا الباب وتأكدا من اغلاقه ويمما شطر شيء عال يلوح متكوما في وسط الغرفة ويتبدى شيئا فشيئا مع ايلاف الظلمة .
يتضح أنه تكوين كجمل بارك بهودج يعلو سنامه كخباء تسللا اليه فومض من قلبه نور ساطع توارى على الفور في أعقاب دخولهما .
كان ذلك هو السرير وقد وضع عليه كرسيان وصفان طويلان من الكتب عند الزوايا الأربع لترفع أربعتها خيمة هذا الخباء المكونة من أغطية ثقيلة شتى .

بيانات الكتاب


الأسم: البستان
المؤلف:  محمد المخزنجي
الناشر: دار الشروق
عدد الصفحات: 122
الحجم:  5 ميغا بايت
تحميل الكتاب البستان

تعليقات