يا صاحبي السجن لـ أيمن العتوم

مساكين أولئك الذين ظنوا أنَّ الموت أو الغياب السحيق سوف يُودِي بصاحب الجبّ، لم يَدُرْ في خلدهم يوماً أن الفضاءات المطلقة تبدأ من الجحور الضيقة ... هنالك تصنع الحياة، ويُعاد ترتيب مُكوّناتها ... هناك يتهجّأ الإنسان حروف ولادته من جديد

مقتطفات من الرواية

من قبل أن نبرأها

كم اضعنا انفسنا في متاهة الحياة ... و لكننا التقينا بها مصادفة أو قدرا و نحن ننبش ذكرياتنا ... نحن ما ننسى فنعفو في ذواتنا ، أو ما نتذكر فنصحو على فجائعنا و خيباتنا ... لم يكن الانسان – يوما – ما يأكل أو يشرب مثل ذلك تفعله الحيوانات و الدوار ... إننا ما نحاول ان نتذكره فنعيش من جديد و لأن الذكريات استعادة للإنسانية حين تغيب في ممر السنين اللولبي ، خرجت من ذاتي العميقة لأروي لكم فصلا من حياتي بعد غياب طوعي طويل ...
كثيرا ما كنت اتساءل عن جدوى ما اقوم به الان ... فقد صرخت في وجه كينونتي مؤنبا : من كان مستعدا أن يسمع صدى صوتك و انت تصرخ في الجب ، وحده القابع في قعر تلك البئر كان ينادي بلا ياصاحبي السجن مجيب و يصرخ و يذهب صدى صارخه هباء .. وحده كان يستمتع بجدران البئر المطلية بغبار السنين و في كل ذرة من هذا الغبار المتناثر حوله و بين يديه كان يرى قصة أو حكاية جديرة بأن تروى ... غير انه يستيقظ من احلامه ليصرخ فيها من جديد : لمن تروى ؟ و لماذا ؟ و هل من احد حين تناديه سوف يصيغ لك السمع ؟ّ!
ما اصعب ان يجمع المرء من الغبار المتناثر في الاجواء خيوط الحكاية ! ليعيد نسجها ، و تخرج ثوبا جديدا قد حيك الان و ليس كما لو مضى عليه اكثر من اربعة عشر عاما .. غير ان الالوان قد تبدو غيرها اذا لم يحسن المرء الاناة في الاختيار و يغوص في الماضي بتؤدة من اجل ان يكون امينا ... امينا لأن التاريخ شاهد و لن يرحم المزايدين و لن يغفر للكذبة ... ها هو يحاول – ما استطاع – ان يكون ذلك الذي توقف عنده الزمن خارج الحياة و داخل قضبان السجن في تلك الحقبة من حياته ...
في لحظات الصمت الرهيبة كان يحدق في الافق و أي افق تحمله البئر المسكينة ؟ لكنه ببصيرة جاءت من السماء تكشف له هذا الافق عن مدى واسع ... اخترق المسافة الشحيحة عند اول اصطدام بهذا الجدار الابله لكي يصنع افقه الخاص به ، افقه الذي امتد بعيدا بعيدا ... و صنع فيه حكايات و حكايات ...
في البئر وجد كثيرا من الكنوز المدفونة ... رموه هناك و قالوا له : يلتقطه بعض السيارة و لم يعلموا ان النبوءة أولها القاء في الجب ... !! مساكين اولئك الذين ظنوا ان الموت أو الغياب السحيق سوف يؤدي بصاحب الجب لم يدر في خلدهم يوما ان الفضاءات المطلقة تبدأ من الجحور الضيقة .... هناك تصنع الحياة و يعاد ترتيب مكوناتها ... هناك يتهجأ الانسان حروف ولادته من جديد ...
و بلا ادعاء أو عجرفة ... لقد كنت – حقا – هناك .. !!
الا ان الذكريات رصاصة طائشة قد تقتلك و انت غير مستعد لبقعة دم كبيرة تحيط بك ملقي على فراش الحنين ... و قد لا تحدث الا ضجيجا يمر قريبا من اذن تشتهي سماع اخبار توهم نفسها بأنها سارة و هي ليست كذلك ابدا ...

بيانات الرواية




الاسم : يا صاحبي السجن
المؤلف : ايمن العتوم
الناشر : المؤسسة العربية للدراسات و النشر
عدد الصفحات : 346
الحجم : 5.75 ميجا
تحميل رواية يا صاحبي السجن

 



تعليقات