سيرة الوجع أمير تاج السر

هي مجموعة حكايات من السيرة، كتبها أمير تاج السر عن ذكرياته أيام عمله مفتشاً طبيباً في البحدود السودانية الإريتيرية وبعض الذكريات من مدينة بور تسودان. حيث يؤرخ فيها لفترة هامة من تاريخه الشخصي وتاريخ وطنه السودان.

مقتطف من الرواية

الى سنان المسلماني مبدعا في كل شيء
المضغوط
كان اسمه " أبكر " وكان يمكن أن يكون اسمه " أبا بكر " لولا أنه ولد في تلك القبيلة التي تكن عداء لذلك الحرف المكمل للاسم , تتلذذ بقمعه واستبدال " شدة " تافهة به حتى يبقى الاسم واقفا على قدميه , كنت أعرفه كخياط حدودي متخصص في الأناقة البلدية وكانت طواقيه الحمراء والصفراء التي يبالغ في زركشتها محط تقدير واحترام حتى بالنسبة لرؤوس العمد والمشايخ وزعماء القبائل ونظارها .
سيرة الوجع كنت أراها خاشعة في صلاة الجمعة محتفلة في الأعياد ومناسبات الفرح , وأسمع خيوطها تبكي تألما كلما دفنا ميتا أو جلسنا في عزاء , ولا أنكر أن رأسي المتحضر الذي ظل عاريا منذ أن ولدت قد استعطفني مرارا لكسائه بواحدة فلم أستجب .
كان الوقت ليلا عندما دخل صاحب الاسم المقموع عشائريا الى عيادتي كان يشكو من مغص عادي في بطن عادي لرجل عادي لم يسمع ب"الحمية " و " القليل الدسم " و " خال من الكوليسترول " ولا فكر لحظة في مضار لحم الضأن وعصائد الدخن الممرغة في السمن .
كان يمكن أن أفحص بطنه فقط أعاتبه بعتاب الأطباء المهني وأحقنه بعقار مضاد وأذهب الى بيتي وأنام لكن هيكله الضخم وصوته اللاهث ورائحة الدهن غير المؤكسد التي قفزت من عرقه وضعت أمام وظيفتي مريضا مطابقا لمرضى الضغط وتصلب العروق وبالفعل كان ضغط دمه أعلى معدل تسجله وظيفتي منذ أن حصلت عليها أعلى بكثير من المعدل المسموح به للسكن خارج حدود الموت والغيبوبة .. وصعقت ظللت أعبث بجثته من رأسه حتى أظافره أخضعته لتحقيقات وملاحقات واعتقلت هيكله الذاهل في غرفة خاصة غصت بالحقن والمحاليل والتعليمات واستغراب أهله وقبيلته وعندما استسلم ضغط دمه في النهاية وهبط رافعا يديه ذهبت الى بيتي .
كان الصباح التالي أشد وعورة من الليل الذي سبقه وجدت المريض جالسا على خلاص الروح يوصي عددا من أهله قال : خذوا الملابس المفصلة الى " عنتر " لاكمالها والطواقي الجاهزة وزعوها على ادريس ونوراي وسيد أحمد المدرس ...لي نقود عند العمدة وخروف عند عرب " الزياداب " وما تبقى من الأقمشة أعيدوه الى أصحابه كان أهله يبكون بمرارة زبائنه يتحسرون على لمساته البلدية الساحرة ... والتي طالما أرضتهم عشاقا وأزواجا ووجهاء وصعاليك أيضا بطواق " محدرة " فحصته بعناية وانزعاج , كان أقوى من مصارع ضغطه انساني أصيل وقلبه بكامل قواه العقلية لدرجة أنه يمكن أن يحب ويعشق ويخفق التياعا ان دعا الأمر .
طمأنته دون أن أستطيع طمنة وظيفتي وأنفقت يوما رياضيا بالعدو بين غرفته ومهامي الأخرى , وعندما سمعته ينطق بالتشهد الأخير جاءتني الفكرة راكضة لم تأت من كتب الطب المعقدة , ولا دهاليز " الرغي " الجامعي لكنها جاءت وحسب , حقنت المريض بعدة قوارير من الملح حتى أعدت ضغط دمه الى ذلك المعدل غير المسموح به للعيش بين الأحياء وذهبت مطمئنا .
كان الوقت مساء عندما جلس " أبكر سعيد " خلف ماكينته " السنجر " العتيقة يكمل جلاليبه المفصلة , وطواقيه المزركشة وقهوته المسائية وثرثرته المرعوبة عن طبيب مجنون كاد يقتله بلا سبب .
سميته Group 7 استدلالا بالهيكل الوظيفي الحكومي العام الذي كان سائدا في ذلك لوقت كواحدة من شظايا الاستعمار المدفونة في أحشاء الوطن .
 

بيانات الرواية

الأسم: سيرة الوجع
المؤلف: أمير تاج السر
الناشر: دار أثر
عدد الصفحات: 184
الحجم: 2 ميغا بايت

تحميل رواية سيرة الوجع

تعليقات