الرجس لـ سمير نقاش


بعد انتقاله لإسرائيل لم يستطع نقاش الإندماج في ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻹ‌ﺳﺮﺍﺋﻴﻠﻲ, ﻓﺤﺎﻭﻝ ﺍﻟﻬﺮﺏ ﻣﻦ ﺇﺳﺮﺍﺋﻴﻞ ﻋﺒﺮ ﺍﻟﺤﺪﻭﺩ ﺍﻟﻠﺒﻨﺎﻧﻴﺔ، ولم يلبث أن قُبض ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﺠﻦ ﻭﺃﻋﻴﺪ ﺇﻟﻰ ﺇﺳﺮﺍﺋﻴﻞ مرة أخرى, وهذه المغامرة هي موضوع روايته هذه "الرجس".

مفتطفات من الرواية

الصمت .. الظلام .. العاصفة .. والبرد .. أما النور فكان موضع شك عميق منذ أن دفعونا الى هذا السرداب العتم , فرضت هذه الأشياء وجودها , ان المرء يمكن أن يضيع في دهاليز هذا السرداب .
متاهة ..متاهة حقيقية سجن ولا سجن والضوء الشاحب المطل برأسه من السقف لا يمكن أن يخلق نورا حقيقيا كل ما يمكن أن يصنعه هذا الضوء , هو تحويل تلك الموجودات الخامدة الى أشباح شبه مخيفة .
كان ثمة مقصورات قاتمة ضيقة , أقرب بأبوابها القضبانية الى الزنزانات ولما كانت هذه الأبواب مفتوحة على مصراعيها فان الاحساس بمعنى الزنزانة قد خفت وطأته .
الرجس وكان من العبث أن نطلق أسماء ماض ميت ومستقبل يحيق به الضباب وبين ذلك كان على المرء أن يحيا لحظته في داخلها بغموض قاتل يحياها معانيا , مواجها تجربة من تجارب الألم الحادة ان كل ما بوسع هذه الخلايا أن تفعله هو أن تضع الانسان في مواجهة نفسه برهة من الوقت بعد أن تحيل هذه النفس الى فتيل قابل للاحتراق , أو الى سيجارة مهملة احتك بطرفها عود ثقاب مشتعل فلا تملك الا أن تنفث الدخان في تلقائية مخزية , وتكدسه غمامات مهمتها الأساسية أن تحجب صفاء الأشياء وأن تنشر الغشاوة في لا عمدية قذرة .
وكان علينا أن نختار بين صمت مطبق , واحدة من هذه الخلايا أو المقصورات أو الزنزانات كي نمضي فيها ليلتنا فقد أنزلونا الى السرداب ثم اختفوا .
قالوا من غير أن ينبسوا بحرف واحد , ان هذا السرداب هذه المتاهة هي بين أيديكم وانكم أحرار بداخلها وأنتم من ثم تملكون الاختيار غير أنني منذ أن تجولت بين أرجاء السرداب , مقت هذه الحرية التي فرضوها علينا فرضا فهذا الامتياز المسمى بالاختيار الذي أعطي لنا بسخاء لم يكن فيه ما يجدي , كانت الخلايا متشابهة كلها باردة كلها عفنة كلها مظلمة كلها خاوية كلها .
وكانت مهمة الاختيار في هذه الحالة عقيمة ولا تعدو أن تكون نوعا من خداع النفس , تمزقت من ثم , بين احساسين متضاربين ... بين أن أدين لهؤلاء على الحرية التي وهبوها لنا بعد أن أشرفنا على نسيانها لطول أمد الحرمان أو أن أحقد عليهم , لأنهم وضعونا أمام هذه المهمة الشاقة .
فقد كنت أفضل لو أنقذونا من حيرتنا وحددوا لنا الخلية التي سنمضي فيها ليلتنا تلك .
وكان منظرنا كما تخيلته , قد اكتسب هو الآخر بعد أن أصبح جزءا من موجودات هذا السرداب الكاشفة عن ذاتها من خلال ضوئه الخافت , كثيرا من الشبحية المخيفة , ورغم أن وقتا طويلا قد مضى علينا دون أن نواجه مظهرنا من خلال المرآة , فقد كان يكفي أن نلمس وجوهنا لندرك أن شعور ذقوننا قد بلغت من الطول ما يضاهي شعور رؤوسنا التي كانوا يجتثونها كل شهر تقريبا , بيد أن هذه اللمسة كان يمكن الاستغناء عنها كذلك . فبمجرد أن أحدنا كان يلقي نظرة الى وجه الآخر فان صورته ذاته كانت تنطبع في مخيلته قبل أن تتجه أبصاره الى شيء آخر جديد .

بيانات الرواية


الأسم: الرجس
المؤلف: سمير نقاش
الناشر: منشورات الجمل
عدد الصفحات: 336
الحجم:  5 ميغابايت
تحميل رواية الرجس

تعليقات