معآ لـ آنا غافلدا

أجهشت بالبكاء ، وزادت بكاء ، طردت سبعة وعشرين عاماً من العزلة من الحزن من المصائب التى حلت على رأسها ، بكت الحنان الذي لم تلقاه أبداً ، طيش والدتها ، المسعفون الجاثون على السجادة ، حيرة والدها ، الأشغال الشاقة التي مارستها ، السنوات المتواصلة ، أبداً ، البرد ، متعة الجوع ، الانحرافات السيئة ، والخيانات التي فرضت عليها وهذا الدور الذي تشعر به دائماً ، هذا الدور على حافة الهاوية والمضائق . والشكوك ، وجدسها المتوارى دائماً ومذاق الأثير والخوف الدائم من عدم الجدارة ، وبوليت أيضاً ، عذوبة بوليت التى سحقت في خمس ثوان ونصف..

مقتطفات من الرواية
لم تكن بوليت ليستافييه مجنونة كما كان يقال عنها . لا شك انها كانت تعرف الايام لأنه لم يعد لديها ما تفعله سوى ان تحصيها ان تنتظرها و ان تنساها . كانت تعلم جيدا ان هذا اليوم هو الاربعاء . كانت جاهزة ! فقد ارتدت معطفها و أخذت سلتها و قسائم الحسم على الاسعار و انتظرت وصول سيارة ايفون ... و لكن ها هو هرها يموء جائعا امام الباب . حينما انحنت لتضع قصعة الحليب امام الهر وقعت و ارتطم رأسها بالدرجة الاولى من السلم .
معآ كانت بوليت ليستافييه تقع غالبا و لكن كان ذلك سرا من اسرارها . لم تكن تتحدث عنه لأحد . (( لأي كان ، هل تسمعينني ؟ )) . كانت تتوعد نفسها بهذه العبارة بصمت . (( لإيفون ، و لا للطبيب ، و لا حتى للصبي ... )) .
تضطر لأن تقوم ببطء و تنتظر إلى ان تعود الامور طبيعية . تفرك كدماتها بمحلول السانتول و تخفي آثارها .
لم تكن اثار كدمات بوليت مزرقة أبدا . كانت مصفرة ، مخصرة أو ضاربة للبنفسجي و كانت تبقى لفترات طويلة على جسدها . لفترات طويلة جدا . أحيانا لأشهر عديدة . كان من الصعب إخفاؤها . يسألها الناس البسطاء لماذا تلبس دائما و كأنها في عز الشتاء . لماذا ترتدي جوارب و لا تنزع سترتها ابدا .
و كان حفيدها الصغير خاصة يعذبها بإلحاحه :
- اذا يا جدتي ؟ ما هذا ؟ انزعي كل هذه الاسمال ، ستموتين من شدة الحرارة !
كلا لم تكن بوليت ليستافييه مجنونة على الاطلاق . كانت تدرك ان هذه الكدمات التي تغطي جسمها باستمرار ستسبب لها مصاعب ذات يوم ...
كانت تدرك كيف تنتهي حياة النساء المسنات مثلها . اللواتي يلزمن بيوتهن لئلا يسقطن ارضا . العجائز اللواتي لا يتسطعن تمرير خيط من ثقب ابرة و لا يعود بوسعن ان يتذكرن كيف يرفع صوت التلفاز . اللواتي يجربن كل ازرار لوحة التحكم و ينتهين إلى اطفاء الجهاز و هن يبكين غيظا .
يبكين بدموع خفيفة و مريرة . و يمسكن برؤوسهن امام تلفاز مطفأ .
ماذا اذا ؟ لم يعد هناك أي شيء ؟ لم يعد هناك قط صخب في هذا البيت ؟ لم تعد هناك أصوات ؟ على الاطلاق ؟ بذريعة نسيان لون الزر ؟ و لكن الصغير كان قد وضع لك علامات على جهاز التحكم ! علامة لتبديل القنوات و علامة للتحكم بالصوت و علامة لاطفاء الجهاز ! هيا يا بوليت ! كفي عن البكاء و انظري إلى العلامات !
كفاكن صراخا بي انتن الاخريات ... لقد زالت العلامات منذ زمن طويل ... لقد زالت عن الجهاز بعد لصقها بوقت قصير ... و قد مرت اشهر و انا ابحث عن الزر و لم اعد اسمع شيئا ، ارى فقط الصور مع همهمة خفيفة ...
لا تصرخن هكذا ، سوف تزيدني صمما ...
بيانات الرواية



الاسم : معآ
المؤلف : آنا غافلدا
الناشر : المركز الثقافي العربي
عدد الصفحات : 670
الحجم : 4.50 ميجا
تحميل رواية معآ

 

تعليقات