حجر الصبر لـ عتيق رحيمي


الجميع يقاتل فيه لكي يصبح غازياً، وحين يُقتل يتحول إلى شهيد

مفتطفات من الرواية

في مكان ما من أفغانستان أو أي مكان آخر
الغرفة صغيرة مستطيلة جوها خانق على الرغم من جدرانها المطلية بلون فاتح أزرق مخضر وستارتيها المزينتين بتصاوير طيور مهاجرة تجمدت أجنحتها المحلقة وسط سماء صفراء وزرقاء تتخللها ثقوب متفرقة تنفذ منها أشعة الشمس لتنتهي على الخطوط الهامدة لبساط شرقي مضلع وفي أقصى الغرفة ستارة أخرى خضراء من غير زخارف تخفي بابا مسدودا أو حجرة مهملات .
الغرفة فارغة خالية من أي زينة سوى ما على الجدار الفاصل بين نافذتين حيث علق خنجر صغير وفوق الخنجر صورة شمسية هي صورة رجل كث الشارب لعله في الثلاثين من العمر مجعد الشعر ذو وجه مربع مؤطر بسالفين مشذبين بعناية تلمع عيناه السوداوان الصغيرتان اللتان يفصل بينهما أنف معقوف كمنقار نسر , الرجل لا يضحك غير أنه يبدو كمن يكبت ضحكه ما يضفي عليه سيماء رجل حجر الصبر لـ عتيق رحيمي يسخر في قرارة نفسه من الشخص الذي ينظر اليه في الصورة وهي صورة أخذت بالأسود والأبيض ولونت تلوينا حرفيا بأصباغ باهتة .
قبالة تلك الصورة أسفل جدار تمدد الرجل نفسه الأكبر سنا الآن على فراش وضع على وجه الأرض , الرجل ملتح غزا الشيب لحيته ونحل جسمه كثيرا فهو الآن جلد على عظم شاحب مليء بالتجاعيد وبات أنفه أكثر شبها بمنقار نسر لم يعد ذلك الرجل الضحوك غير أنه ما زال محتفظا بسيماء الساخر الذي كانه , فمه منفرج عيناه اللتان ازدادتا صغرا غائرتان في محجريهما نظره مثبت على السقف وسط العوارض الظاهرة , المسودة والمتعفنة .
ذراعاه الساكنتان ممدودتان على طول قامته وتحت جلده الشفاف تتشابك عروقه الشبيهة بديدان لاهثة مع عظامه البارزة في معصمه الأيسر ساعة آلية وفي بنصره محبس زواج ذهبي وفي ذراعه اليمنى النحيلة غرزت ابرة متصلة بأنبوبة تحقنه بسائل لا لون له يتقطر من كيس بلاستيكي معلق فوق رأسه تماما وما تبقى من جسده مغطى بقميص طويل أزرق مطرز عند ياقته وكميه أما ساقاه المتصلبتان كوتدين فيغطيهما شرشف أبيض متسخ .
على ايقاع تنفسه تهتز يد , هي يد امرأة موضوعة على صدره فوق قلبه ورأسها بين ركبتيها وشعرها الأسود الحالك الطويل يغطي كتفيها المتمايلتين تبعا لحركة ذراعها المنتظمة .
في اليد الأخرى اليد اليسرى تمسك مسبحة طويلة سوداء تسبح بها بهدوء وبطء بالوتيرة ذاتها التي تتمايل بها كتفاها أو على ايقاع تنفس الرجل .
جسدها ملتف بثوب طويل أحمر أرجواني مزين عند الكمين والحاشية ببعض الأشكال الزخرفية الخفية من سنابل القمح وأزهاره .
على مخدة من المخمل وضع في متناول اليد كتاب هو القرآن مفتوحا على صفحة الغلاف , تبكي فتاة صغيرة ليست في تلك الغرفة لعلها في الغرفة المجاورة أو في الرواق , يتحرك رأس المرأة متعبا ويترك ثغرة الركبتين , المرأة جميلة عند زاوية عينها اليسرى تماما ندبة صغيرة من أثر جرح تقلص بعض الشيء مدى أجفانها وتضفي على نظرها مسحة من قلق غريب وشفتاها المكتنزتان تتمتمان بصوت خافت وببطء كلمة صلاة واحدة .
تبكي فتاة صغيرة ثانية يبدو أنها أقرب من الأولى خلف الباب بلا ريب , تسحب المرأة يدها من على صدر الرجل تنهض وتغادر الغرفة لا يغير غيابها الوضع في شيء فالرجل ما زال لا يتحرك وما زال يتنفس بصمت وبطء .

بيانات الرواية


الأسم: حجر الصبر
المؤلف:  عتيق رحيمي
الناشر:  دار الساقي
عدد الصفحات: 112
الحجم:  2 ميغا بايت
تحميل رواية حجر الصبر

تعليقات