الطفولة والصبا والشباب لـ ليف تولستوي


أحياناً أتريث في منتصف الطريق بين المصلى والسور الحديدى وتقفز إلى ذهنى ذكريات مؤلمة

مفتطفات من الرواية

الطفولة
" المعلم الخاص , كارل ايفانتش "
في اليوم الثاني عشر من أغسطس سنة – 18 وهو اليوم الثالث بعد تاريخ ميلادي العاشر وكنت قد تسلمت هدايا رائعة للغاية أيقظني كارل ايفانتش في الساعة السابعة صباحا وهو يضرب ذبابة بمذبة من ورقة مسكرة مثبتة الى عصا وقد فعل هذا بطريقة خرقاء حتى أنه قلقل صورة ملاكي المعلقة على رأس سريري المصنوع من خشب السنديان وسقطت الذبابة الميتة على رأسي مباشرة واختلست النظر من تحت الغطاء وثبت الصورة التي كانت لا تزال تهتز , ونفضت الذبابة الميتة الى الأرض ونظرت الى كارل ايفانتش بعينين حانقتين يساورهما النعاس ولكنه تابع طريقه بحذاء الجدران يصوب ويذب وهو في عباءته الفضفاضة متمنطقا بحزام من القماش لابسا على رأسه غطاء أحمر ذا عذبة محبوكة .
الطفولة والصبا والشباب وقلت في نفسي : " بفرض أنني صغير , لماذا يقلقني ؟ لماذا لا يقتل الذباب الذي يحوم حول فراش فولوديا ؟ أن هناك أكداسا منه , ولكن لا فان فولوديا أكبر مني سنا وأنا أصغر الجميع وهذا هو السبب في أنه يعذبني .. ولا يفكر في شيء آخر في الحياة " وهمست قائلا : " اللهم الا عمل أشياء تكدرني فهو يعلم تمام العلم أنه أيقظني وأفزعني ولكن – الرجل البغيض يتظاهر بأنه لا يعرف هذا !! أما عباءته وغطاء رأسه وعذبته فيالها من اشياء تثير الاشمئزاز .
وبينما كنت أعبر عقليا على هذا الوجه عن ضيقي بكارل ايفانتش , اقترب من فراشه وتطلع الى الساعة المعلقة فوقه , وكان ينتعل خفا مطرزا بخرز من الزجاج فعلق مذبته على مسمار ثم التفت نحونا وهو يبدو على أحسن حالاته العقلية وصاح بصوته الألماني اللطيف : " انهض أيها الطفل انهض .. لقد حان الوقت ..ان أمك في القاعة " .
ثن قصد الي وجلس عند قدمي فأخرج من جيبه علبة السعوط وتظاهرت أنا بالنوم ؟ وتناول كارل ايفانتش قبضة من السعوط ومسح أنفه وطقطق أصابعه ثم وجه انتباهه الي وأخذ يدغدغ قدمي ويضحك أثناء ذلك ثم قال " هيا هيا يا كسول " .
وعلى كثرة ما كنت أفزع من الدغدغة فانني لم أقفز من فراشي أو أجب باية اجابة بل دفنت رأسي تحت الوسادة , ورفست بكل ما استطعت من قوة واستخدمت كل جهد لتحاشي الضحك .
" ما أطيبه وما أشد حبه لنا , ومع ذلك كنت أسيء به الظن كثيرا !! "
لقد كنت ساخطا على نفسي وعلى كارل ايفانتش وكنت أريد أن أضحك وأصرخ : لقد كانت أعصابي مضطربة .
فصحت والدموع تترقرق في عيني : " آه , أرجو أن تتركني يا سيدي " ودفعت برأسي من تحت الوسادة فكف كارل ايفانتش عن دغدغتي مندهشا وأخذ يستفسر باهتمام عن أمري : هل كنت أحلم حلما مزعجا ؟ وكان وجهه الألماني الحنون والعطف الذي حاول به جاهدا التكهن بسبب بكائي كل ذلك أدى الى انهمار دموعي .
واعتراني الخجل ولم أستطع أن أعرف كيف تمكنت منذ هنيهة أن أكره كارل ايفانتش , وفكرت في أن عباءته وغطاء رأسه والعذبة كانت جميعا على العكس .

بيانات الرواية


الأسم: (الطفولة والصبا والشباب
المؤلف: ليف تولستوي
الناشر: الهيئة المصرية العامة للكتاب
عدد الصفحات: 573
الحجم:  7 ميغا بايت
تحميل رواية الطفولة والصبا والشباب

تعليقات