ذائقة الموت لـ أيمن العتوم

مفتطفات من الرواية

في البدء كانت الرؤيا
على السور الخارجي مشى بخفة بهلوان كان الظلام دامسا يقطعه خيط رفيع مما تبقى من نور تسلل عبر الأشجار العالية كان القمر يرسم أيامه الأخيرة على صفحة كحيلة ظل يمشي على ذلك السور الذي لم يكن ليتسع لأكثر من قدم واحدة ينقلها بالتناوب حين يحتاج الى خطوة أخرى ... لم يدر اذا كان قد تدرب على هذه المشية من قبل أم لا .
ولم يستطع أن يجيب نفسه عن سؤال محير : كيف استطاع أن يمشي على هذا الجدار الرفيع في قلب الظلام مغمض العينين وحافي القدمين ...؟ كل مايعرفه أن خطواته ظلت تبصر بدلا منه وظل هو يتابع السير ...
ذائقة الموت لـ أيمن المعتوم قرر أن يفتح عينيه فجأة فعل ذلك دون أن يفكر حين انفتح المشهد أمامه فغر فاه وابتلع صرخة كادت تمزق سكون الليل لولا أنه عاجلها بوضع يده على فمه وتدارك جسده قبل أن يسقط من السور على الصخور والأشواك ... توازن مرة أخرى وتابع السير لم ير شيئا واحدا يتحرك حتى القطط والكلاب أوت الى مناماتها واستسلمت لبعض الدفء الناجم عن تكورها حول نفسها ... أما هو فأحس بطائر الطمأنينة يدخل الى قلبه على غير عادته ويبني عشه هناك ظل يمشي صارت خطواته أكثر تصميما وثقة ...زالت عنه بعض غلالات الرعب التي سكنته حين فتح عينيه أول مرة ثم ها هو يحاول أن يحدق في الفراغ ليلتقط بعض المخيلات ... استمع الى دقات قلبه التي استعادت انتظامها وراح يتمتم بكلام غير مفهوم ... انبسطت أمامه الساحة الممتدة داخل السور وهو يتأملها من مكانه العالي كانت القبور تتناثر على غير انتظام بدا بعضها أكبر من الآخر تربعت بعض الشواهد عند رؤوس عدد منها , وخلا منها عدد آخر ... حدق النظر في الزاوية البعيدة خيل اليه أن بعض الأسوار الحديدية الصدئة تحيط بقبر قد ارتفع عن وجه الأرض أكثر من مترين ... دفعه الفضول أن يسرع ليقترب منه أكثر فيدرك سر تميزه , لم يكد يخطو بضع خطوات حتى رأى قطا أسود عرفه من التماع عينيه راح هذا القط يتضخم بشكل متسارع حتى صار بحجم القبر , واتقدت عيناه وهما تقذفان شرر الرعب تأرجح قلبه بين ضلوعه كبندول ارتجفت قدماه أما جسده فراح يرتعش بشكل هستيري , زاد من رعبه افترار القط المخيف عن شدقين برزت داخلهما أنياب صفراء تبرق على ما تبقى من ضوء القمر الخجول ترنح أمام هول المنظر ومال يمينا وشمالا وكاد يسقط في الهاوية أمسك ببعض الكلمات يرددها في سره حتى استعاد شيئا من هدوئه ساعده على ذلك اختفاء القط خلف الأشجار القريبة من ذلك القبر أو هكذا خيل اليه ....
أين تمضي ؟! طرق رأسه بهذا السؤال غير أن حروفه ذابت في الفراغ الواجم وغرقت في بحر السواد , ما الذي أخرجه من البيت في هذه الساعة الجنوينة ؟! ما الذي يفعله بالضبط ؟! لم هو هنا ؟! هل ما يراه حقيقة أم أنه جزء من خيالاته الغادرة ؟! تحركت قدماه الى الأمام تنقلان الخطو غير عابئتين بما دار في باله من أسئلة قبل قليل أدرك أنه مدفوع بقوة خفية الى الحركة حاول أن يجمد خطواته فاخفق ... استسلم لأقداره وراح يمشي على ما تبقى من السور ترك الزاوية الجنوبية وتابع سيره على حرف الجهة الشرقية صارت المقبرة بأكملها على يساره كانت ترتفع صعودا حتى تبلغ أعلى ارتفاع لها في الجهة الغربية وبدت القبور للحظة كأنها مدرج روماني تتصاعد مقاعده وبدت الشواهد كأنها جمهور ينتظر مسرحية من نوع ما .... كان قد وصل منتصف الجهة الشرقية حين تأكد أنه الآن في قلب المسرح .

بيانات الرواية 


الأسم: ذائقة الموت
المؤلف: أيمن العتوم
الناشر: المؤسسة العربية للدراسات
عدد الصفحات: 410
الحجم:  6 ميغا بايت
تحميل رواية ذائقة الموت

تعليقات