السنغالي لـ مصطفى موسى

ارتدى السنغالي عباءته فوق جلبابه الصوفي ، اعتمر فارقيته البنية اللون ، وقبع في صباط دراه

مفتطفات من الرواية

بداية الرحلة
يلتفت أحمد الصنهاجي خلفه كل فترة , وكأنما يودع وطنه يشبع عينيه من لون المحيط الأزرق وقمم الأشجار الخضراء التي تبدأ في التقزم كلما بعد عنها , تتحول الى خط أخضر في صفحة صفراء كأنها قوس قزح , يغمض عينيه وهو يتأرجح على ناقته وصوت الدليل يلقي بتعليماته الى قافلة الحجاز , بعد أن نظر الى السماء وتشمم الهواء لبره ستهب عاصفة رملية قبل الغروب استعدوا لها باخفاء وجوههم بأوشحتهم اتقاء لرمال " السموم " القاتلة , يتلثم الصنهاجي بوشاح أسوج ويخفي وجهه الا من عينيه ينتظم نفسه مع صعوده وهبوطه على سنام الناقة ومازال ملح هواء المحيط يملأ صدره , يغمض عينيه فتتراءى صورة الشيخ التيجاني وهو يلقي عليه آخر كلماته :
السنغالي ابتعد عن البحر .... فسيذكرك دائما بما تحاول اخفاؤه وابحث عن حياة جديدة في بلاد بعيدة ... امش في الأرض الصفراء الى أن تصل الى شاطئ نهر لا تستطيع عبوره , في بلاد تحيطها مآذن لبيوت الله , سر عكس اتجاه النهر فكلما أوغلت في بلادهم كنت في مأمن مما تخافه , فمطاردوك لن يتركوا آخر من له القدرة على الحكم حيا .. ارحل يا ولدي , هذا قدرك !
يدس في يده المعروقة السمراء سبحة بيضاء من عظام الحوت , تذكره بأصله الذي يجب أن يقبره خلفه في صحراء وطنه , يفتح عينيه على صوت الدليل مرة أخرى , وهو يأمر القافلة باناخة الجمال المجهدة بعد مسيرة ليلتين متواليتين في صحراء بلاد المغرب الجنوبية فالرحلة طويلة الى بلاد الحجاز .
يهبط الصنهاجي عن ناقته , يخرج بعض التمر فيقترب منه الدليل بقربة الماء دون كلمة منهما , سوى نظرات متبادلة فوصية الشيخ يجب أن تنفذ , يهبط الليل ويعم سكون الصحراء على القافلة , يلفهم الظلام الا من ضوءء مرتعش للهب الحطب المشتعل يلقي بخيالاته على الوجوه الملثمة , اتقاء شر السباع وضباع الصحراء وهوامها , يغفو الصنهاجي وظهره مستند الى ظهر الناقة الباركة على الرمال .
تحرك فمها بانتظام وكأنها تمضغ لسانها يرة شابا كان يملأه الفخر دائما , والاعتزاز بأصله لقبيلة الصناهجة التي أدخلت الاسلام الى " السنوغال " قديما .
كثيرا ما كان يحلم بتوحد القبائل الأخرى كي تصبح كيانا واحدا , يقف أمام مرتزقة في ثوب مستعمرين ببشرة بيضاء وعيون خضراء , ينسدل الشعر لأصفر على جباههم أسفل قبعات دائرية يرمي بهم المحيط في قوارب كل فترة , لا يعلم من أين يأتون في تلك السفن الضخمة يحملون عصي طويلة تخرج من فوهتها نيران , وصوت كالرعد يقتل من يسمعه .
صديق طفولته – ليوبولد سينجور – أو شاعر الغابة , كما كان يحلو للصنهاجي أن يدعوه كان دائما يحثه على الهدوء والتعقل في التعامل مع الغزاة , ربما تربيته الأرستقراطية المسيحية هي ما أضفت عليه سلاما وهدوءا في كلامه وحركاته .
نظمه للشعر جعله متأملا لما حوله جانحا للسلم , تعلمه في المدارس التبشيرية التي أقامها الغزاة الفرنسيون قربته منهم , جعلته صمام أمان للمقاومة , وحلقة وصل بينهم وبين المستعمر , يعلم الجميع قدره على الرغم من صغر سنه .

بيانات الرواية


الأسم: السنغالي
المؤلف: مصطفى موسى
الناشر: دار الآداب
عدد الصفحات: 224
الحجم:  3 ميغابايت
تحميل رواية السنغالي

تعليقات