الأجنبية لـ عالية ممدوح


بشكل مختلف، اختارت الكاتبة العراقية عالية ممدوح، أن تبوح بذكرياتها، وتروي فصولاً ووجوهاً من حياتها في كتابها «الأجنبية» الذي يقع في منطقة وسطى ما بين السيرة والرواية، إذ تتمرد صاحبته على النمط التقليدي، وترفض أن تسير «على مقاس أحد»، لذا جاء الكتاب متحرراً، كما أرادت مبدعة «المحبوبات».

مقتطفات من الرواية

بيت الطاعة
أتابع اعمال مؤرخي ومؤرخات ما بعد الخطاب الكولونيالي فتستوقفني بعض المقولات التي يؤكدون من خلالها أن الخصائص المميزة للتاريخ الشفوي هي أنه : " لا يتناول ما قد حدث بقدر تركيزه على المعنى من وراء ما حدث " .
في منتصف التسعينيات من القرن المنقضي , اتصلت بي القنصلية العراقية بباريس تدعوني لزيارتها في مقر السفارة الكائن ... لأمر عاجل , أثق كثيرا بالأمور العاجلة فهي تملك حبكة ألغازها وبالتالي فان أذيتها لا تنتهي عاجلا .
الأجنبية فبفضل تلك الغريزة الفريدة من نوعها الخوف الذي كان يحث الخطى في اتجاهين اما السفارة العراقية واما دائرة البوليس الفرنسي على سبيل المزاح .
كنت أحرس جلالة الخوف بكذا وكيت من التفاصيل المثيرة للقلق , ومنذ الهاتف الذي وصلني فأختار الميتة أو الوضعية التي ستكون الأقل وجاهة والأكثر مرحا , ماذا لو قبض علي ؟
عال فلنقل محاولة ذلك , كنت أرتب الوقائع وأحاول سردها أمام حالي حتى أتمم كمال هذا الفعل الدراماتيكي وأنا اصعد المترو وأبدل الخط الى اتجاه دوفين , العراق يمتلك جميع الألقاب وسلم الوظائف , ضبط الأسماء والنعوت لكنني كنت أفضل كما في بعض الروايات التي لم أجد في تدوينها : المطاردات ما بين قطار الأنفاق وشوارع الأحياء الراقية في باريس حيث تقع السفارة في الحي السادس عشر .
المطاردة في السينما أو المسلسلات أو تلك الموجودة في الأعمال البوليسية , تجعلك مقطوع الأنفاس وأنت تحث الخطى الى السفارة , ماذا لو تم حبسي وتخديري وتقييدي ثم شحني الى هناك كطرد تالف .
أقتات فعليا منذ الصباح الباكر الى ساعة ملاقاتي القنصل العراقي على نظام الجندي الخواف الذي يأكل من جوفه وثرواته المعدنية المطمورة فيه , ان بعض الأحداث التي تصاف المرء من غير توقعها يكون لها بعض القيمة الاجتماعية والسياسية والوجودية اذا كانت قابلة للارجاع , ليست كواقعة هامشية وانما كوقائع نموذجية آثارها لم تنضب حتى هذه اللحظة : 2012 .
وقفت أمام الباب الحديدي الثقيل جدا مررت وسط أجهزة كاشفة تقدر على كشف أي شيء الا ذبذبة الخوف , خوفي .
ام أتعثر بالدرجات التي واجهتني وأنا أجتازها كان الرجل في الاستعلامات مؤدبا وهو يبتسم في وجهي .
لم ار أي أثر لأي اجراء قهري أو تعسفي ولم يدعني للجلوس أصلا , قام حالا وسار أمامي وهو يلتفت قائلا :
تفضلي القنصل بانتظارك
كانت المرة الأولى التي ألتقي فيها قنصلا أو مسؤولا في السفارة العراقية بباريس , خرج القنصل من وراء مكتبه وتقدم لمصافحتي , الاستقبال اللطيف في ذاته ضاعف هلعي , القنصل شاب شديد الدماثة متابع لما تكتبه الكاتبات العراقيات .
لاحظ استعجالي لمعرفة سبب الاستدعاء فسحب ملفا لا أتذكر لونه فتحه وأخرج ظرفا أسمر مستطيل الشكل , هذه المظاريف كانت تسمى " كاغد " يبعث بها الحاكم والوالي , الخليفة أو الوزير أوامره للرعية أو لشخص واحد .
هي جزء من منظومة الصناعات المحلية , حكمت وتحكم بقطع رأس فلان أو رقبة علانة أو تحدد اقامة أو من الجائز تكافئ , لم لا ؟ الكاغد الأسمر بيد القنصل العراقي , كاغد كوني قطع الزمان والمكان .

بيانات الرواية:


الأسم: الأجنبية
المؤلف: عالية ممدوح
الناشر: دار الآداب
عدد الصفحات: 240
الحجم: 3 ميغا بايت
تحميل رواية : الأجنبية

تعليقات