احلام شهرزاد لـ طه حسين

قصة شهريار و شهرزاد....عن انتهاء الالف ليلة و ليلة و مع ذلك استمر شهريار يسمع صوت شهرزاد فى منامه مع انها نائمة فى حجرتها.... لعبت به شهرزاد خلال 3 سنوات حتى اصبح كطفل لها توبخه حينا و تادبه حينا و تحنو عليه حينا..اخذته من نفسه فلم يعد يعرف اهو مستيقظ ام نائم ...توبخه فلا ينطق و تعود فتعامله بحنان جم بسرعة..

مقتطفات من الرواية


فلما كانت الليلة التاسعة بعد الالف افاق شهريار من نومه مذعورا و جعل يتسمع لعله يجد ذلك الصوت الذي ايقظه فلم يسمع شيئا و جعل يمد يده عن يمين و يمد يده عن شمال ليتبين أينكر من مضجعه شيئا ، فلم ينكر شيئا ثم استوى جالسا في سريره و جعل يدير رأسه عن يمين و عن شمال و يمد بصره في الظلمة المتكاثفة من حوله كما يمد سمعه في الصمت المنعقد في غرفته فلا يقع أحلام شهرزادبصره على شيء و لا ينتهي سمعه إلى شيء و لا تصل نفسه إلى شيء فلم يشك في ان طائفا قد الم به اثناء النوم فرده إلى اليقظة ردا لم يخل من بعض العنف ، و ما أكثر ما تهيم في ظلمات الليل  هذه الارواح المشردة التي تنطق في لغاتها الخفية بألفاظ تصل إلى نفوس الرقود أحيانا كما تصل إلى نفوس الايقاظ أحيانا أخرى فيفهمون عنها مرة و يخطئون الفهم مرات ، و يكون لهذه الالفاظ الغريبة المبهمة في حياة الناس اثار غريبة مختلطة ؛ منها الخير و منها الشر ، و مهما يكن من شيء فقد عاد شهريار إلى نفسه و ارتسمت على ثغره ابتسامة سريعة لم تلبث ان مرت كأنها البرق ، و ثارت في نفسه عاطفة ضئيلة و لكنها حادة فيها شيء من حسرة و فيها شيء من يأس و فيها شيء من حزن على عهد قد انقضى و ليس إلى رجوعه من سبيل .
ثم ثاب إلى الملك رشده فتمكن في مضجعه و أغمض عينيه و ضم يديه إلى صدره و دعا النوم إلى نفسه دعاء قويا ، و كأن النوم كان ينتظر ان يبلغه هذا الدعاء فما أسرع ما مد ذراعيه فطوق بهما عنق الملك الحزين في كثير من الرأفة و الرحمة و الحنان ، و اذا الملك ينسى نفسه و يمعن في هذا الرقاد الحلو الهادئ المطمئن ، ولم يدرك الملك أطال هذا الرقاد ام قصر ، و لكنه أفاق مرة اخرى مذعورا و مد بصره في الظلمة المتكاثفة و مد سمعه في الصمت المنعقد و تحسس بيديه عن يمين و شمال فلما لم ير شيئا و لم يسمع شيئا و لم ينكر شيئا ؛ انكر نفسه كلها ، و نهض من مضجعه متثاقلا فجعل يمشي في غرفته على غير هدى حتى انتهى إلى نافذة الغرفة ففتحها و كان ذلك اذنا لضوء القمر ان ينسل في هذه الغرفة و لكنه لم ينسل و انما اندفع إلى الغرفة اندفاعا اضاء له كل ما في الغرفة من فضاء و من اثاث . هنالك أدار الملك بصره في الغرفة فلم ينكر من امرها شيئا ثم اشرف من النافذة فاستنشق الهواء الطلق و مد بصره في الفضاء العريض المنبسط أمامه ، فلم ير الا هذه الاشجار الباسقة الشاهقة في السماء ، و قد لبست من ضوء القمر أدرية نقية ناصعة ، و امتدت غصونها تضطرب في الهواء اضطرابا خفيفا و كأنها ترغب في النوم هذه الطير التي أوت اليها حين ولى النهار ، و كأن هذه الطير قد سكنت إلى حركاتها الخفيفة المنتظمة فنامت مطمئنة وادعة ، لولا احلام خفيفة خفية كانت تمر بنفوسها الضئيلة الوادعة ، فتبعث من افواهها اصواتا قصيرة حلوة و تبعث في أجنحتها خفقات يسيرة لا تكاد تبدأ حتى تنقطع و قد اطال شهريار وقوفه امام هذه النافذة مادا بصره في هذا الفضاء العريض و مادا سمعه في هذا الصمت الجاثم عليه و ممتعا نفسه بهذا الضوء الرقيق الذي يترقرق بينهما و بهذه الاصوات الرشيقة التي تبلغه من حين إلى حين حتى اذا اثاب اليه الهدوء و أمتلأ قلبه سكينة و آنست نفسه أمنا و دعة تراجع متثاقلا و لكنه لم يذهب إلى مضجعه و انما ذهب إلى مجلس من مجالسه في الغرفة فترامى عليه متهالكا و قد أزمع ان ينتظر مطلع الصبح يقظان ؛ فقد كره مضجعه و كره النوم و كره هذا الطائف الذي أخذ يزعجه منذ الليلة .

بيانات الرواية




الاسم : احلام شهرزاد
المؤلف : طه حسين
الناشر : مؤسسة هنداوي للتعليم و الثقافة
عدد الصفحات : 70
الحجم : 3.75 ميجا
تحميل رواية احلام شهرزاد

 


تعليقات