الشاعر لـ مصطفى لطفي المنفلوطي

هذه الملحمة الصغيرة بما حوته من معاني وقيم عظيمة تشترك فيها الانسانية على وجه الأرض هذه الملحمة هي تنوير باتجاه قضية الفضيلة التي يؤسس لها خطاب المنفلوطي الأدبي. وهو هنا استطاع أن يُنعش القصة بالتركيز على احياء المكان وتحريك أجزاءه، فمشهد البداية في الحانة يمتد ويراوح في صفحات كثيرة نستشعر فيه حتى رائحة المكان وضجيج السكارى وصراخ المتنازعين،

مقتطفات من الرواية


الشاعرفي ليلة من ليالي سنة 1640 بدأ الناس يفدون إلى حانة بوروجونيا في باريس لمشاهدة رواية (( كلوريز )) – و هي احدى روايات الشاعر المشهور (( بلتازار بارو )) – و لم يكن للتمثيل في ذلك العصر دور خاصة به و انما كانوا يمثلون في الحانات أو المطاعم الكبيرة على مسارح خاصة يعدونها لذلك .
و كان جمهور المشاهدين في تلك الليلة – كما هو شأنهم في جميع الليالي – خليطا من العمال و الجنود و اللصوص و الخدم و الاشراف و العلماء و الكتاب و أعضاء المجمع العلمي الفرنسي و قد اختلط بعضهم ببعض و جلس أخيارهم بجانب اشرارهم فبينما العلماء يتناقشون في مباحثهم العلمية و الادباء يتحدثون في شئونهم الادبية اذا فريق من الخدم في الصقوا شمعة بالارض و استداروا من حولها حلقة واسعة و أخذوا يقامرون بالمال الذي سرقوه من أسيادهم في ساعات لهوهم و استهتارهم و آخرون من ابناء الاشراف قد تماسكوا بأيديهم و ظلوا يدورون حول أنفسهم راقصين مترنحين و آخرون من الغوغاء يأكلون و يقصفون و يتسابون و يتلاكمون و يجئرون بأصوات عالية متنوعة كأنهم في سوق من اسواق المزايدة و جماعة من الجند يتلهون بالمبارزة و الملاكمة لا يبالون من يطئون بأقدامهم أو يصيبون بشفرات سيوفهم و فئة من الصعاليك قد اصطفوا صفا واحدا بين يدي لص من دهاة اللصوص و مناكيرهم يعلمهم كيف يسرقون الساعات من الصدور و يمزقون الجيوب عن الاكياس و كيف يتغفلون صاحب المعطف عن معطفه و القبعة عن قبعته و العصا عن عصاه كأنه قائد يدرب جنوده على الحركات العسكرية و فتى من المتأنقين المتظرفين يطارد فتاة المقصف من ركن إلى ركن يحاول امساكها و العبث بها و هي تتمنع عليه و تتأبي تأبيا اشبه بالاغراء منه بالامتناع و جندي من جنود الحرس قد تغفل البواب عند دخوله و املس يده دون ان يدفع اليه شيئا و البواب يطارده و يلاحيه و يأخذ بتلابيبه ، فيجادل عن نفسه بأنه حارس الملك و حراس الملك أحرار يدخلون من الامكنة ما يشاءون و زمرة من المتأدبين قد انتبذوا ناحية من القاعة و أخذوا يندبون الادب و حظه و شقاء اهليه و بلاءهم و يقول بعضهم لبعض : أليس من مصائب الدهر و رزاياه ان يقف موقف الممثل بين هذا الجمهور الساقط أمثال (( مونفلوري )) و (( بلروز )) و (( جودليه )) و ان تمثل على مثل هذا المسرح الحقير المبتذل روايات أكابر الشعراء الروائيين أمثال (( روترو )) و (( كورني )) و (( بارو )) ؟
و لم يكن يضيء تلك القاعة على كبرها و اتساعها الا بضعة مصابيح ضئيلة تتراءى تلك الجماهير على نورها كأنها الاشباح المتحركة أو الارواح الهائمة و قد يسمع السامع فيها من حين إلى حين في وسط هذه الضوضاء صوت فتاة المقصف و هي تصيح خلف مقصفها بصوتها الرقيق الرنان : (( اللبن )) ، (( الحلوى )) ، (( عصير البرتقال )) ، (( عصير الرمان )) ، (( الشواء )) .


بيانات الرواية



الاسم : الشاعر
المؤلف : مصطفى لطفي المنفلوطي
الناشر : مؤسسة هنداوي للتعليم و الثقافة
عدد الصفحات : 137
الحجم : 3 ميجا

تحميل رواية الشاعر


تعليقات