بيروت 2002 لـ رينيه الحايك

في السيارة التي تتوقف عند الإشارة، أرى نسرين، أسرع كي لا تراني، كانت صديقة لي في السنة الثالثة الثانوية، وفي سنتي الجامعية الأولى. ثم تباعدنا. رفاقي لا يعبجونها. أحسّ كأن ألف سنة تفصلني عنها. التعب يشلّ قدمي. هل أوقف سيارة أجرة وأذهب عن وليد؟ أم أعود إلى البيت؟ الشارع، بأسفلته الرطب، يذكرني بأحد أحلامي، حيث أمشي في شوارع أعلم أنها بيروت. لكنني لا أجد محلاً أو مقهى أو بناية أعرفها. كلّها غريبة. الوجوه خلف الشرفات جامدة كأنها داخل صور فوتوغرافية.

مقتطفات من الرواية

بيروت 2002  ألم قوي في خاصرتي يوقظني كأنني نائم فوق حجر مروس , أسحب فردة جزمة نسائية نمت فوقها ولم أنتبه أتأمل السقف الواطئ للحظة , أشيح بوجهي الى طرف الفراش كارولين قربي تحدث شخيرا خافتا .
صونيا أيضا نائمة عند طرف السرير أزاحت عنها الغطاء كاشفة عن جسمها كله تنورتها الصوفية تجمعت عند خصرها , الشال الذي يلف رقبتها دخلت خيطانه الحريرية في فم كارولين ... صمت في الشاليه كله أنزل الدرجات حافيا حاملا حذائي طقطقة الأرضية الخشبية لا توقظ أحدا , الحر شديد يخطر لي أن أبدل من درجة التدفئة لكنني سأخرج بعد قليل لا أذكر متى نمت وكيف .
نيام في الطابقين يملأون الأرضيات والكنبات بعضهم بلا غطاء في الطابق الأول أشتم تعفن الأطعمة المنثورة في كل مكان أيمكن أن تفسد في ليلة ؟ كميات هائلة من المعجنات والقناني الفارغة الكؤوس مملوءة في معظمها تعود الى رأسي صور متفرقة من البارحة لا أجد مكانا شاغرا لأجلس وأنتعل حذائي , جواربي تتسخ موجات من الحموضة تتصاعد أبخرتها من معدتي الى فمي , أحس بدوار يشتد أخفف من سرعة حركاتي ببطء شديد أدخل قدمي في الحذاء أتوقف وأرفع رأسي عاليا بسبب الغثيان .
في المطبخ الضيق الفوضى أكبر بكثير أبحث عن قنينة سفن أب أمام البراد الصغير الكثير من القناني أكوام من صحون الكرتون المليئة بالأطعمة وأعقاب السجائر أبعد بعضها لأتمكن من فتح البراد , لا أجد سوى قالبي حلوى على الأرجح نسي الجميع أمرهما البارحة ككل مرة نضع لائحة من الحلويات والأطعمة والمشروبات لا نستهلك منها الا ما يتعلق بالمشروبات بخط ذهني كتب على العلب " Mie doree " .
أشرب ماء من الحنفية أتجشأ مرات عدة ترتاح معدتي قليلا , الحمام في الطابق الأرضي مقرف المياه أيضا تغمر أرضه وبقايا قيء تلطخ مرحاضه لذلك اعاود الصعود الى الطابق الثالث حيث العلية التي نمت فيها .
أدخل الحمام الصغير يبدو أن أحدا لم يستعمله رائحة الأغلاق والغبار قوية فيه , ضيق لا يتسع الا لمرحاض , سقف العلية قليل الارتفاع أحني رأسي دون انتباه كأنني سأصطدم به , المياه التي تكرج من خزان المياه شديدة الزرقة , أحسب أن الصوت سيوقظ كارولين وصونيا .
كارولين قد أغلقت فمها تماما على شال صونيا تنقلب على ظهرها مبعدة الغطاء تستمران في النوم كالجميع , هدوء لا يتخلله سوى أزيز قساطل التدفئة أو أنفاس وأصوات تتهدج بكلمات مبهمة ثم تخمد فجأة الراحة المؤقتة في معدتي تزول , الغثيان والدوار يقويان مجددا .
لا أجد معطفي في أي من الطوابق الثلاثة أجاهد لأتذكر مكانه خلعته بعد عودتنا من الساحة ...أين وضعته ؟ أبحث بعصبية عنه أتلهف للخروج من الشاليه أحتاج الى الهواء أجده أخيرا وقد تدثر به جوزيف أسحبه عنه , فتحدث مفاتيح سيارتي صوتا معدنيا قويا , في هذه الأثناء يتعالى رنين هاتف خليوي أتجمد مكاني بعضهم ينقلب على ظهره أو جنبه لكن أحدا لا يستيقظ كأنهم أموات .
أبخرة الكحول والأنفاس تشكل غيمة لا أنظر الى الأرضية الآن وأنا أتوجه الى الباب كي لا يثقل الدوار رأسي , يصفعني هواء جليدي في الخارج أزرر معطفي الجلد الطويل أرفع ياقته لأغطي رقبتي ثلوج في كل مكان ستزعل كارولين لأنني أتركها هنا وأمضي .

بيانات الرواية




الاسم: بيروت 2002
المؤلف: رينيه الحايك
الناشر: المركز الثقافي العربي
عدد الصفحات: 240
الحجم: 3 ميغا بايت

تعليقات