سيد العتمة لـ ربيع جابر


رواية تحكي عن قرية لبنانية إبان الاحتلال التركي، وتستحضر الذاكرة الأحداث والأشخاص، فإذا كل حدث قابل للكثير من التأويلات المتناقضة، وإذا كل شخص مختلف حول حقيقته، ولكن ما يبقى موثوقاً به هو الجوع المذل والعاطفة المتأججة والتصدي للقهر.

مقتطفات من الرواية

سيد العتمة مساء عودته الى البيت الكبير عدنا لنتذكره فعبرنا حقول القمح البائدة دون أن نعير حفيف الأيام المولية انتباها , وقفزنا فوق أحجار البيدر متناسين آلام الكسر والجبر مخلفين نساءنا وراءنا يشتعلن قرب المواقد مع بقايا الحطب في انتظار عودتنا نحن الذين تجاوزت قلوبنا آفات الشوق الى رؤيته وحمى الحنين الى وقع حوافر حصانه وتملصت أدعيتنا من استسقاء البركات فوق ظله أو هكذا توهمنا مذ أصبحت رصاصاتهم أقل ذعرا وصراخهم أكثر ثباتا ونارهم أعلى دخانا اذ أضحى الشك في وجوده يلتف فوق اليقين كشرنقة القز فما لبث الأخير أن اضمحل تحت دعسات جزماتهم التركية وأعقاب بنادقهم وهي تحطم الأبواب وتصادر ما تبقى من حفن قمح وسوس مخبأة في حفر مزوية في جوارب مرقعة لحفظ الزبيب أو مقدار ملعقة من الزيت المحروق لسراج قديم ما عدنا نجرؤ على ذكره تحت وطأة ليالي المداهمات المباغتة للمجاعة المتفشية كنار الخماسين أو صباحات الصلوات المتشابكة بالتين البري بين أخاديد رعبنا الطافحة بعفونة حيوانات منفرة وجثث مأكولة وصدى مبعثر لرائحة قبائل من الجراد المتخم حتى النخاع تحفر جذع آخر شجرة تين في ضيعتنا اذ تنبهنا الى وسيلة لحمايتها قبيل فوات الأوان فحجبناها عن مليارات الأعين الدقيقة بأغطية صوفية لم تلامس جلدا بشريا منذ رحيله اذ انها كانت أغطيته هو بالذات وقد اعتنت بها أمه شهرا تلو شهر محفوظة بأمان في أجمل غرف البيت الكبير مكوية بعناية ومغمسة برائحة الخزامى لحمايتها من العث مرتبة في زاوية غرفته حيث قضى مئات من لياليه يفكر بما لا يعرف أحد منا كيف عبر رغم ضيق الباب المؤدي الى المصطبة مصطبته حيث عربشت ذات يوم تعريشة عنب تفاحي قبالة شجرة التين التي ارتعشت أمام ريح غادرة هبت فجأة تمزق أطراف الأغطية بينما قبضاتنا المتيبسة كالحجارة تدق باب غرفته المطلي بالجراد وأصداء الدعاء والزغاريد المتطايرة حول الجدران ولكن عبثا كنا نداعب أوتارا يئسنا من الضرب عليها تحت تأثير الخيبة المتواصلة فكيف سيعود وهو الذي أعلن مقتله عشرات المرات وجد حصانه ميتا في سبع قرى محروقا بالقطران الرمادي ممزقا بالخناجر الهندية مشنوقا بسلاسل نحاسية مسمما بمبيدات الجرذان غارقا في نهر الدامور ثم
في نهر الليطاني الا اذا كانت كل تلك الميتات المعلن عنها في أضخم المناسبات والأعراس خدعة هائلة لتجريده من المؤيدين وجعلهم أعداء له فيظهر اذ يظهر كمحتال يبغي رغيفا ساخنا أو قطع طريق نائية اذ كيف يمكن أن يكون هو كيف يخرج المقتول من نومه الفتاك بهذه السرعة فوق حصان أسود يرمح كالريح مع خنجر فارسي يزين حزامه غدارتان اسبانيتان وبندقية دك لا يعرف لها عمر ولا تكون عودته مجرد وهم آخر ليضاف الى أحاديث وأخبار متفاوتة الأهمية حلت مكان المتة وبذور القرع واللقطين وارتعاشة فرح معتقة ارتدت قاسية لتحطم نشيدا صعد في غفلة من زمن المتهافت اذ توهمنا أنه عاد بصورة مفرطة في الخيال فلم تلبث أن برزت مجلوة بوضوح بركة مياه راكدة في حزيران اذ لمحنا وجه أمه داخل غرفة نومه جافا ممزقا بالبثور كعادته مذ بدأنا نرى الاشياء ونحكي عنها وامتدت أناملها لترفع المزاليج ولقد كانت طويلة ونافرة العروق ومجعدة كما عهدناها أبدا , لذا أوشكنا أن نتساقط كحص تراب مزقتها خصلة ماء لما بانت أسنانها الثلاث في ابتسامة واهنة وهمست : عاد مع تسعة أكياس قمح و دزينة رجال .

بيانات الرواية




الاسم: سيد العتمة
المؤلف: ربيع جابر
الناشر: دار دزاوي للنشر
عدد الصفحات: 134
الحجم: 2 ميغا بايت
تحميل رواية سيد العتمة

 



تعليقات