في هذه القصص وغيرها التي تزخر بها هذه المجموعة، تثبت أليس مونرو مجددًا قدرتها على أن تسجل بحساسية وتعاطف وقائع عصرنا. وتجتذبنا إلى أكثر أركان حياتنا العادية خصوصية، وفي خلال ذلك تكشف لنا الكثير عن أنفسنا، وعن اختياراتنا، وعن تجاربنا في الحب.
تلقيت اتصالا هاتفيا في العمل ، و كان من والدي . كان ذلك بعد وقت قصير من طلاقي و بداية عملي في المكتب العقاري . كان والدي يذهبان الى المدرسة ، و كان يوما شديد الحرارة من أيام شهر سبتمبر .
كان والدي غاية في التهذيب ، حتى مع أفراد العائلة . أخذ بعض الوقت في السؤال عن حالي ؛ كعادة أهل الريف . يسألون أولا عن حال من يحادثونهم في الهاتف ، حتى اذا كان سبب المكالمة هو أن يخبروك بأن منزلك يحترق .
أجبت : (( بخير ... كيف حالك أنت ؟ ))
رد أبي قائلا بطريقته المعهودة ، التي تجمع بين الاعتذار و الاعتداد بالنفس : (( لا اعتقد انني على ما يرام تماما ... أخشى ان تكون امك قد رحلت . ))
أعلم أن (( رحلت )) تعني (( ماتت ) . أعلم ذلك جيدا . لكنني للحظة أو نحو ذلك رأيت أمي تعتمر قبعتها السوداء التي من القش و هي تمشي على امتداد الطريق . لم تبد كلمة (( رحلت )) مفعمة بأي شيء ، اللهم الا بإحساس عميق بالراحة ، بل و حتى بالإثارة ؛ الإثارة التي يشعر المرء بها عندما يغادر أحد و يغلق الباب ، و يعود المنزل مجددا الى حالته الطبيعية ، و يتحرك في حرية في المساحة الخالية حوله . كان ذلك باديا في صوت أبي أيضا ؛ وراء النبرة الاعتذارية ، كان يخفي صوتا غريبا مثل نفس لاهث . لكن أمي لم تكت عبئا على أي حال – اذ لم تمرض يوما – و كان وقع الأمر على أبي قويا ، و لم يكن يشعر بالراحة إطلاقا لموتها . قال أبي انه لم يعتد قط على ان يعيش وحيدا . فانتقل بإرادته للإقامة في نزل مقاطعة نترفيلد للمسنين .
أخبرني كيف وجد أمي على الأريكة في المطبخ عندما جاء وقت الظهيرة . كانت قد قطفت بعض ثمار الطماطم ، و وضعتها على حافة النافذة حتى تنضج ، ثم يبدو انها شعرت بالوهن فرقدت . ها هو صوته الآن يخبرني بهذا ، يرتعش – يتموج ، مثلما قد يتوقع المرء – في دهشته . استرجعت في عقلي صورة الأريكية ، اللحاف القديم الذي كان يغطيها ، تحت الهاتف مباشرة .
قال أبي : (( لذا وجدت انه من الأفضل ان اتصل بك . )) ثم انتظرني حتى أخبره بما يجب عليه فعله الآن .
كانت أمي تصلي جاثية على ركبتيها في وقت الظهيرة ، و في الليل ، و عندما تستيقظ في الصباح . كان كل يوم يهل عليها هو فرصة لتحقيق إرادة الرب فيه . في كل ليلة كانت تحصي ما فعلته ، و ما قالته ، و ما حدثت نفسها به ، لترى ما اذا كان يرضيه أم لا .
بيانات الرواية
الاسم : مسيرة الحب
المؤلف : أليس مونرو
الناشر : مؤسسة هنداوي
عدد الصفحات : 319
الحجم : 4.2 ميجا
تحميل رواية مسيرة الحب
رابط تحميل مباشر - جوجل درايف
رابط تحميل فورشيرد
قراءة اونلاين التواصل والإعلان على مواقعنا
أشترك فى قائمتنا البريدية ليصلك جديد الكتب
تابعنا على الفيسبوك
تابعنا على تويتر
زور موقعنا الجديد – معرفة بلس
زور موقعنا الجديد – عالم الكتب
زور موقعنا – مكتبة دوت كوم
زور موقع ثقف نفسك - حيث الثقافة والمعرفة
مقتطفات من الرواية

كان والدي غاية في التهذيب ، حتى مع أفراد العائلة . أخذ بعض الوقت في السؤال عن حالي ؛ كعادة أهل الريف . يسألون أولا عن حال من يحادثونهم في الهاتف ، حتى اذا كان سبب المكالمة هو أن يخبروك بأن منزلك يحترق .
أجبت : (( بخير ... كيف حالك أنت ؟ ))
رد أبي قائلا بطريقته المعهودة ، التي تجمع بين الاعتذار و الاعتداد بالنفس : (( لا اعتقد انني على ما يرام تماما ... أخشى ان تكون امك قد رحلت . ))
أعلم أن (( رحلت )) تعني (( ماتت ) . أعلم ذلك جيدا . لكنني للحظة أو نحو ذلك رأيت أمي تعتمر قبعتها السوداء التي من القش و هي تمشي على امتداد الطريق . لم تبد كلمة (( رحلت )) مفعمة بأي شيء ، اللهم الا بإحساس عميق بالراحة ، بل و حتى بالإثارة ؛ الإثارة التي يشعر المرء بها عندما يغادر أحد و يغلق الباب ، و يعود المنزل مجددا الى حالته الطبيعية ، و يتحرك في حرية في المساحة الخالية حوله . كان ذلك باديا في صوت أبي أيضا ؛ وراء النبرة الاعتذارية ، كان يخفي صوتا غريبا مثل نفس لاهث . لكن أمي لم تكت عبئا على أي حال – اذ لم تمرض يوما – و كان وقع الأمر على أبي قويا ، و لم يكن يشعر بالراحة إطلاقا لموتها . قال أبي انه لم يعتد قط على ان يعيش وحيدا . فانتقل بإرادته للإقامة في نزل مقاطعة نترفيلد للمسنين .
أخبرني كيف وجد أمي على الأريكة في المطبخ عندما جاء وقت الظهيرة . كانت قد قطفت بعض ثمار الطماطم ، و وضعتها على حافة النافذة حتى تنضج ، ثم يبدو انها شعرت بالوهن فرقدت . ها هو صوته الآن يخبرني بهذا ، يرتعش – يتموج ، مثلما قد يتوقع المرء – في دهشته . استرجعت في عقلي صورة الأريكية ، اللحاف القديم الذي كان يغطيها ، تحت الهاتف مباشرة .
قال أبي : (( لذا وجدت انه من الأفضل ان اتصل بك . )) ثم انتظرني حتى أخبره بما يجب عليه فعله الآن .
كانت أمي تصلي جاثية على ركبتيها في وقت الظهيرة ، و في الليل ، و عندما تستيقظ في الصباح . كان كل يوم يهل عليها هو فرصة لتحقيق إرادة الرب فيه . في كل ليلة كانت تحصي ما فعلته ، و ما قالته ، و ما حدثت نفسها به ، لترى ما اذا كان يرضيه أم لا .
بيانات الرواية
الاسم : مسيرة الحب
المؤلف : أليس مونرو
الناشر : مؤسسة هنداوي
عدد الصفحات : 319
الحجم : 4.2 ميجا
تحميل رواية مسيرة الحب
تعليقات
إرسال تعليق