تقرير ميليس لـ ربيع جابر


الواحد يصير خفيفاً عند بلوغه هذه الأنحاء. يعطي قدرات. يفقد آلامه الجسمانية. في أحد الممرات رأيت الحريري قاعداً عشرين ورقة، وكلما انتهى منها عاد يقرأها من جديد. على كل ورقة سيرة حياة واحدة. هؤلاء الذين قتلوا معه في الانفجار. الورقة الأخيرة كتبها الممرض في السيارة الأخيرة: سيارة الإسعاف. في ممر آخر -عند طرف المكتبة- أرى الرجل الذي انفجرت عبوة تحت سيارته، هذا الرجل كان يكتب. هنا لا يجد الكتابة سهلة. لم تعد الكلمات تأتي إليه. لا يدري كيف يكتب ما يريد أن يكتبه. يريد أن يكتب رسالة إلى زوجته. يكتب خمسة حروف ثم يتعب. لا يعثر على حرف سادس. لا يعثر على كلمة أخرى. الدوي ما زال يتردد في رأسه، والدخان أسود كثيف في عينيه. الألفاروميو سيارة صغيرة. ضغط الانفجار فظيع في المكان الضيق. يشرب ماء وينظر إلى الكلمة على الورقة البيضاء

مقتطفات من الرواية

تقرير ميليس  سمعان يارد عنده ثلاث أخوات : جوزفين وماري واميلي , جوزفين خطفت سنة 1983 على خط التماس بين بيروت الشرقية وبيروت الغربية ماري مقيمة في بالتيمور اميلي في باريس ماري متزوجة من ابن عمها حنا يارد . نالا اذنا كنسيا خاصا من المطران وتزوجا استقرا وراء الأطلسي منذ 1984 رزقا أربعة أولاد " سلمان وايليا وجوزف وتوماس فتحا قبالة الكنيسة المارونية في بالتيمور مطعما لبنانيا وفرنا يبيع الخبز العربي ومناقيش الزعتر والكشك واللحم بعجين اميلي مترجمة في اليونسكو زوجها فرنسي موظف اداري في جامعة باريس الثانية " Assas " يملكان بيتا في بناية أثرية في شارع جورج ساشيه " باريس – الدائرة ال14 " .
عندهما ولدان : آني وجاك آني شقراء زرقاء العينين تشبه أباها شارل كوربليه , جاك أسود النظرة قاتم البشرة ورث جينات أجداد لا يعرفهم في شرق المتوسط .
سمعان يارد يدير هذه الأيام " يارد للاستشارات الهندسية والتخطيط " مكاتب الشركة تشغل الطبقة الثالثة من عمارة " استرال " 1931 في وسط بيروت التجاري سمعان يارد لا يعلم لماذا يبقى هنا شركاؤه " أقاربه " هاجروا من المدينة على دفعات الآن ينزل الى المكتب لئلا يبقى وحده في بيت العائلة الشاسع الغرف في شارع غندور السعد " منطقة الجامعة اليسوعية – الأشرفية " .
" ها أنا في الأربعين ولم أفعل شيئا بحياتي " يفكر سمعان يارد ويشعر بثقل غامض على صدره هذه الأفكار هذه الأحاسيس تقوى ثم تتراجع في الفترة الأخيرة بعد تعاقب الانفجارات وعودة التوتر الى البلاد أخذت تنتابه نوبات ذعر غير مفهومة .
أخته أميلي تراسله بالبريد الالكتروني تسأله متى يغادر بيروت والحياة المثيرة للفزع في بيروت منذ 14 شباط " فبراير " منذ الانفجارات أمام أوتيل سان جورج المتداعي ترسل اليه بريدا الكترونيا كل يوم أو يومين .
ويرد على ال e-mail يكتب عبارات قصيرة بالفرنسية أو يستخدم الحرف الأجنبي للكتابة بالعربية أهل الاشرفية يعرفون الفرنسية أكثر من العربية لكنه هو يغلط في قواعد الفرنسية ويفضل العربية يقضي ساعات الصباح أمام الشاشة الزرقاء اعتاد في الفترة الأخيرة أن يقرأ الصحف المحلية – وغير المحلية على الجهاز .
يقرأ الأخبار ويرسل رسائل مقتضبة الى أصدقاء في المدينة وخارج المدينة أصدقاء وصاحبات أصابعه قصيرة تميل الى سمنة مع أنه ينتبه لطعامه يشرب قهوته وينظر من النافذة الى الحمائم تعبر بين المآذن والأبنية ما زال يحتفظ بموظفين في الشركة الموظفة الطويلة ماهرة في اعداد القهوة الأخرى القصيرة لا تنفع لا يدري ماذا تفعل بساعات الدوام " 8 ساعات كل يوم " .
صباح الخميس 2 حزيران " يونيو " أطلت برأسها من باب المكتب الموارب صفراء الوجه : قتلوا سمير قصير غامت عيناه قليلا وهو يربط الاسم بذكرى ما في أعماق دماغه يعرف هذا الاسم صحيح ويعرف وجه الرجل طالما تقاطعت دروبهما هنا في وسط البلد طالما التقاه وانتبه اليه يعرف وجهه من التلفزيون والجرائد وأثناء تظاهرات آذار " مارس " الفائت عندما انقلبت الساحات وماجت بالبشر رآه يخطب أيضا في الفترة الأخيرة التقاه أكثر من مرة وفي زمن قصير جدا .... هذه صدفة غريبة التقاه هنا أمام " نوافير البلدية " بعد التظاهرة الكبرى في منتصف آذار ثم التقاه على ساحة الايتوال " البرلمان " .

بيانات الرواية




الاسم: تقرير ميليس
المؤلف: ربيع جابر
الناشر: دار الآداب للنشر
عدد الصفحات: 208
الحجم: 3 ميغا بايت
تحميل رواية تقرير ميليس

 



تعليقات